أطفال تهرب نتيجة
التعذيب.. ويشكلون عصابات المتاجرة بالمخدرات
محمد: المخدرات أصابتهم بتلف عقلي واستخدموا
الدار كـ"دولاب"..
ومديرة دار الأورمان تنفي.. وتؤكد خضوعهم إلى الرقابة
مستشار قانوني: كفالة القانون
لحقوق الأيتام يعزز هويتهم
كتبت حنين سمير، تسنيم حسين
دار الأيتام ليست مجرد مأوى
فحسب، بل لها أهمية كبرى في تقديم حلولاً لمشاكل التعليم والدين والصحة وخاصة
للأطفال، فالغاية الأساسية من الدار هي دعم الأيتام الذين هم بحاجة إلى المساعدة؛
حتى يستطيعوا الاعتماد على أنفسهم والنهوض على أقدامهم.
سجن الدار
تعرض صابر.أ،
بمنتصف العشرين من عمره، للأذى اللفظي والجسدي والمعنوي طيلة سنوات معيشته داخل إحدى
دور الأيتام "م.ع" التي تقع على طريق مصر الإسماعيلية مثل الوقوف منحني
أسفل إحدى الطاولات، أو ضربه بالعصيان الخشبية وأمثالها متجردًا من ملابسه، حتى
تصل الضربة إلى الجسد مباشرة، تاركة في نفسه شعور الضعف والذل، وكان يخاف الشكوى
لأن المربيات نساء، ليجبر على الهروب دون مال أو ملابس؛ فقضى يومًا على الطرقات
بين ظلمات الليل بلا وجهة محددة.
عاش وليد.ر
في صغره بدار أيتام مشهورة "رفض الإفصاح عن اسمها"، وفي فترة تواجده بالدار
بعمر الـ11 عامًا، شهد غياب الرقابة عنهم
في حالة خروجهم من الدار طوال اليوم، وعدم وجود قوانين وضوابط لأبناء الدار، فكانوا
يفتعلون المشاكل والشجارات؛ لإثبات قوتهم وسيطرتهم على منطقة الحصري في السادس من أكتوبر،
وخلالها يظهرون سلوكيات إجرامية مثل استخدام السلاح الأبيض والطعن به؛ مما أدى إلى
ظهور العصابات والشجارات الدموية مع الشباب من مدارس مختلفة، وإذا دخل أحدهم بشجار
فيستغل أبناء الدار الفرصة ويظهرون وحشيتهم، أما بما يتعلق بالإتجار في الممنوعات،
فقد شهد "وليد" على واقعة من قبل؛ حيث تورط بعض الشباب القاطنين بالدار في
الإتجار بالمواد المخدرة، ويعتبرونها مصدر رزق لهم.
عمل محمد.ك،
23 عامًا، في إحدى دور الأيتام في منطقة زهراء المعادي، وكان معروفًا في هذه
المنطقة أن أبناء الدار يقومون بتجارة المخدرات ويعتبرونها مصدر رزقهم الوحيد، ناهيك
عن حالات التلف العقلي بسبب إدمان المخدرات، وتتم عن طريق استغلال عددهم في تكوين
شبكة؛ كل شخص يملك دوره المحدد فيها، مضيفًا وجود العديد من الشهادات التي تؤكد أن
الدار يتم استخدامها لبيع المخدرات من خلاله "دولاب مخدرات" كما يعرف
بالعامية، ذاكرًا أن شباب الدار معروفين بالاسم؛ لاشتهارهم ببيع المخدرات والأمر
ليس خفيًا على أي شخص.
وأكد
"محمد" عدم علمه بتواطؤ العاملين في الأمر أو تربحهم منه، فهذا الأمر
قائم بدون رقيب ولا حساب لسنوات، ولا يعرف سكان المنطقة أحدًا من المسؤولين؛
ليشتكي لديه، معتقدًا أن هؤلاء الشباب اتجهوا لتلك التجارة؛ نتيجة الإهمال وعدم
تعليمهم ما ينفعهم لكسب الرزق؛ فيبحثون عن أسهل الطرق لكسب المال.
المسؤولون يردون
تقبل الدار
اليتيم فقط عندما يكون فاقد للأهلية، كما ذكرت أحلام محمد، أخصائي اجتماعي
لإحدى دُور الأيتام التابعة لمؤسسة
الأورمان، ويتم الاستلام عن طريق أقسام الشرطة، فتحبذ أن تكون كل خطواتهم قانونية،
وتبدأ إجراء فحوصات بدنية وعقلية على الطفل في مركز المقاولون العرب؛ لمعرفة إذا
كان يعاني من مرض أو مشكلة معينة؛ ولتحديد نمط التعامل معه كما يجب، ثم توفير الملابس
ومستلزماته خاصة، مع تواجد طبيب مقيم بكل دار، مع وجود عيادتين وممرضة مسؤولة،
بجانب وجود عربتي إسعاف.
وتابعت
"أحلام" أنه عند وصول الطفل سن السنتين، تبدأ الدار بإدماجهم مع العالم
الخارجي والالتحاق بالحضانات، ويوجد حل آخر قد تلجأ له مؤسسة الأورمان، وهو أن
تلحق الأيتام بمدارس الأورمان التابعة لها، ولكن المؤسسة لا تفضل ذلك الأمر؛ لأنهم
قد يعتادوا تلك الأوضاع سريعًا، ويؤسسوا رابطة تجمعهم؛ لتواجدهم بمكان واحد معًا،
مؤكدة وجودة قوانين ضابطة لسلوكياتهم واتباع الثواب والعقاب وفقًا للتصرف الصادر.
قالت
مريم أحمد، مديرة دار الأورمان، إن دار الرعاية لا يوجد بها أي شكل من أشكال
العنف، وأبناء الدار لديهم مواعيد محددة في الدخول والخروج؛ وبالتالي تنعدم تمامًا
وجود مشاكل معهم في المدارس، أما تحويل الدار إلى وكر للمخدرات فهي مزاعم خاطئة،
فالطفل يتلقى كافة أشكال الرعاية النفسية والجسدية، بل وتنظم الدار العديد من
الرحلات لأي مكان وبكل الأوقات، وتساعدهم أيضًا على العمل في أماكن مختلفة مثل
مكاتب المصروفات والأزياء التابعة لمدارس الأورمان، وطباعة الإيصالات وغيرها من
الأعمال التي يستطيع الذكور والفتيات القيام بها، مع وجود رقابة دورية على الشباب
وغيرهم، ورقابة نفسية وجسدية؛ فتقوم بإجراء تحاليل لكل فرد شهريًا، مع خضوع الدار إلى
الرقابة، والزيارات الدائمة من الإدارة.
أكدت نها
علي، استشاري أمراض نفسية في دار الأورمان، حرص الدار على تهيئة الطفل نفسيًا؛ بتوفير
طبيبة نفسية يوميًا؛ لتوقع ما حدث وما سيحدث في حياته؛ وبالتالي أي سلوكيات غير
منضبطة لا تصل إلى حد الإتجار وإنما تقتصر على عناد الطفل فقط، ولكي يقبل على
الحياة في العالم الخارجي؛ حتى لا يتعرض إلى المشاكل النفسية، ومن خلال القصص خاصة
عن الوالدين تتمكن من معرفة طرق التعامل مع الأطفال، من خلال ردود فعلهم على القصة،
وكذلك الأمر مع التنمر خاصة في المدارس في محاولة لإدماجهم في المجتمع.
وروت
نرمين أحمد، إحدى عاملات دار الأورمان، أن الدار لا تخلو من الأنشطة والرعاية
الترفيهية للأطفال، فتحتفل الدار بتاريخ ميلاد كل طفلًا منهم كل عام، بشراء هدية
مناسبة وتصويره وإرسالها للإدارة للتأكد من ذلك، بالإضافة إلى اشتراكهم في الرحلات
المدرسية، ورحلات أيام الأعياد، وبجميع المناسبات، وتوفير جميع أشكال الترفيه من
أجهزة محمول وبلايستيشن والاشتراك في الأندية الرياضية، والأكل من مطاعم الأكلات
السريعة وغيرها من الأنشطة التي تساعدهم على عيش حياة بها نوع من أنواع الترفيه.
القانون يحمي اليتيم
أضاف
أحمد ياسر، مستشار قانوني، أن للأيتام حق مثل جميع أفراد المجتمع، وينبغي حمايتها،
وتشمل الحق في الدعم المالي من الحكومة أو مصادر أخرى، لتلبية احتياجاتهم
الأساسية، والرعاية الصحية، والحصول على العلاج والخدمات الوقائية، والحق في
التمثيل القانوني؛ لضمان حماية مصالحهم في الإجراءات القانونية، والحق في المشاركة
في الأنشطة الثقافية والاجتماعية؛ لمساعدتهم على تنمية الشعور بالانتماء والهوية،
مضيفًا أن الهدف من هذه الحقوق؛ حماية المصالح الفضلى للطفل وضمان رفاهيته.
رأي الدين
ذكر محمود عاشور، وكيل الأزهر
الأسبق، أن كفالة الطفل اليتيم من الأمور الدينية، ولا تعني كفالة اليتيم من
الجانب المادي فقط، بل جوانب كثيرة كالتعليم والتربية، لافتاً إلى الحديث الشريف
«أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ. وَأَشَارَ
بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلًا»، وأيضًا قول الرسول
«خيرُ بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُحسَن إليه وشرُّ بيت في المسلمين بيت فيه
يتيم يُساء إليه»، فالبيت الذي يرعى اليتيم أفضل بيوت المسلمين وتنزل عليه
الملائكة، وأصحابه في أعلى درجات الجنة، كما أنها تحمي المجتمع من سلبيات عدة
كتجارة المخدرات والعلاقات الشاذة، واليتيم المهمَل سيصبح قنبلة موقوتة داخله.
وأضاف شريف البنا، أستاذ أصول
الدين بجامعه الأزهر، أن اليتيم من اليتم وهو الشيء النادر المتفرد، كما نقول هذه
جوهرة يتيمة أي ليس لها مثيل، فكفالة اليتيم أوردها الله سبحانه وتعالى في عدة سور
قرآنية، منها سورة الضُّحى: «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى»، و«فَأَمَّا
الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ».
وقال
عماد المهدي، إمام
وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية، إن الكفالة لا تقتصر على المال فقط، بل يتسع معناها
ليشمل احتضانه، وتعليمه، والاهتمام بصحته، وإعداده نفسياً، وتربوياً، ومهنياً؛
لمواجهة المستقبل والأخذ بيده نحو الفضيلة، كما يحرص الأب على مستقبل أبنائه
وسلوكهم، وشدّد الإسلام على رعايتهم بالمودة والعاطفة الصادقة، تعويضاً لهم عما
عانوه في حياتهم.
وأكد «المهدي»، ضرورة إعطاء اليتيم جميع الاحتياجات التي يريدها دون إظهار الشفقة؛ حتى لا يشعر بالألم، موضحًا أنه يتوجب على كافل اليتيم العمل على تنمية أموالهم واستثمارها، وزيادتها بالبيع والشراء، بما يعود عليهم بالربح الحلال؛ فقد ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "اتَّجروا في مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة"، أيْ حتى لا ينقص ماله بأخذ الزكاة منه عامًا بعد عام.

