كتبت حنين سمير
يشتهر المقطم بالهضاب العالية
ومبانيه المرتفعة المرتكزة على قممها، منها العشوائية والفارهة، ولكن العجيب كيف
لهذه الهضاب أن تضم أسفلها مجموعة أخرى من التلال، بالتعمق في شوارع المقطم ودخول
منطقة منشأة ناصر وصولًا إلي "حي الزبالين"، الذي نشأ منذ عام 1969،
ويُعد من أهم ستة أحياء لجمع القمامة على مستوى الجمهورية، فهو المكان الذي صرحت
له المحافظة ليكون مقر النفايات المُجمعة من مختلف البقاع، نجد به مجموعات بل
مرتفعات القمامة التي منها ما قد يفوق ارتفاع بعض المنازل، مُلقاه يمينًا ويسارًا
بجانب العمارات وخلفها، بل وداخلها أيضًا.
حي صغير، لكن يحوي داخله
الكثير، بدءًا من سكانه البسطاء الذين يعيشون به منذ عشرينيات القرن الماضي،
معظمهم يعمل بجمع المخلفات من الرجال وحتى نسائهم وأولادهم، فالعمل بالقمامة يُعد
مهنة متوارثة كحال أشهر الحرف اليدوية المصرية، يهتمون بتعلمها، بل وتطويرها
يعتادون رائحتها ووجودها حولهم في كل مكان، بل والتعامل معها بيديهم دون ارتداء
القفزات التي قد تحميهم من بعض الإصابات التي يتعرضون لها يوميًا أو لحظيًا مع كل
قطعة حادة تلتقى بها أيديهم، لكنهم يأبوا استعمالها، فهم ألِفوا الإمساك بالأشياء
وحسها وفركها بين أصابعهم لتمييز نوع كل قطعة وفرزها كما يجب ثم كبسها، قبل نقلها
إلى المصانع المتخصصة بإعادة التدوير.
وتبدأ رحلة القمامة في عملية الجمع، الفرز، الكبس، التوصيل، وهم
الأربع المراحل الأساسية لإتمام عملية إعادة التدوير، كذلك هي حلقات متصلة تشكل
الروتين اليومي لعامل القمامة، وهكذا تسير دورة حياتهم الهزيل منهم والعَفِي كل
يسعى وراء لقمة عيشه والحصول على قوت يومه مستهينًا مقابل ذلك بكل ما يحط على رأسه
من صعوبات، ومن معاناة جسدية ونفسية مع كل نظرة ازدراء من البعض أو اشمئزاز البعض
الآخر، الذي قد يكون كِبرًا من الناس وقد يكون جهلًا من معظمهم بأهمية دور هؤلاء
الرجال في الحفاظ على نظافة الشوارع، بل وازدهار المجتمع فرغم بساطة وعي العمال،
إلا أنهم على دراية بأن عنوان كل مجتمع هو نظافته لذلك يفخرون في قرارة أنفسهم
بكونهم "زبالين"، والذي يبلغ عددهم حوالي مليون بالقاهرة وثلاثة ملايين
على مستوى الجمهورية.
وحي الزبالين يضم مخلفات معظم
أنحاء القاهرة الكبرى ومبانيها العظمى التي رغم فراهة شكلها الخارجي وفضلًا عن
براعة تصميمها و ثراء قاطنيها، إلا أن جميعهم في حاجة إلى جامع القمامة المار
يوميًا ليخلصهم منها وإلا تحول كل مبنى سكني إلى مخزن للأوبئة، وتحولت الشوارع
لمستنقعات ينبع منها التلوث بجميع أشكاله، فعلى كل منطقة أن تدين بفضل كل عامل
نظافة وكل جامع قمامة يبدأ يومه فجرًا ليتمم عملية الجمع وينتهي ظهرًا ليتجه إلى
الحي، تاركًا من خلفه مساكن وشوارع نظيفة خالية من كل ما هو مؤذي، سواء ماديًا من
خلال جمع قطع الزجاجية المنكسرة والمبعثرة، أو معنويًا من خلال التخلص من المواد
العضوية التي تسبب الروائح الكريهة التي يصعب على معظم البشر احتمالها لبضع ثوانٍ،
سوى هذا العامل الذي أخذ في الاعتياد على التعامل مع هذه المُكرهات وكآبة مناظرها،
بل وتحمل مخاطرها أمام مقابل مادي رمزي، لا يكفي أي منهم لإكمال يومه وإعالة أسرته
وتلبية كافة احتياجاتهم خاصة مع افتقار هذا الحي وأشباهه لبعض الخدمات الضرورية؛
مثل الصرف الصحي ووحدات الإطفاء، والراتب لا يكفي لعلاج أمراضهم، فيبات معظمهم
حاملًا للمرض يحيَا به حتى يموت.
