رحلة إلى الهاوية.. من كلية قمة إلى قاع الإدمان.. مرض البطالة ينهش الشباب المصري

حليمة: أولادي أنقذوني من ضرب زوجي المتعاطي.. وعادل خريج سياسة واقتصاد بدرجة سائق "توكتوك"

حنان: "ابني مات نتيجة جرعة زائدة".. وكريم: شراء المخدرات أسهل من الطعام

طبيب نفسي: العاطل أكثر عرضة للاكتئاب والإدمان

خبيرة علاقات أسرية: السيدات أكثر حرصًا لإنقاذ أسرهم

كتبت نورا علاء، ندى سمير، سلوى صلاح، شهد أحمد

هل جربت السعي في دراستك؟، لتحقيق آمال أسرتك في دخول ما يدعى "كليات القمة"، متخرجًا بعدها بطاقة إنتاجية هائلة، وتبدأ محاولات ولا تكل، متبعًا الوقوف بعد كل تعثر، حتى تصل إلى المرة التي لا يقوى فيها جسدك على النهوض، أنها فقط رحلة خاضها بعض الشباب المصري.

انطفأت شمعتهم

حليمة بكر، 26 عامًا، وزوجها 30 عامًا من أسرة ميسورة الحال، وبعد قصة حب دامت عامين، تغير حاله بعد الزواج حيث فقد وظيفته، ورغم مساندتها له إلا أنه عاملهم بعنف، وبدأ في الخروج بكثرة من المنزل، ويعود متأخرًا ثملًا، حتى تأكدت من تعاطيه لبودر مخدر وجدته في محفظته، وعندما واجهته عنفها وضربها أمام أبنائها، وكاد أن يجردها من كامل ملابسها لولا تدخل الأطفال واحتضانها وبدء ابنها في ضرب والده، ليخرج من المنزل مرة أخرى.

منذ ذلك الوقت أصبح يتعاطى المخدرات جهرًا في المنزل، مما دفع حليمة الذهاب إلى منزل والديها وأخذ أطفالها، والتي اعتبرها زوجها فرصة ليتخلص من إصرارها على أن يقوم بالبحث عن عمل، ثم تخبر عائلته وتنقطع عنه مساعداتهم له، واختفى منذ شهرين ولا تعلم عنه شيء، مؤكدة إخبار الشرطة ولازالت تبحث عنه من أجل أولادها.

حال الشباب في مصر لا يسر العدو، كما ذكره عادل كمال، 28 عامًا، والذي تخرج من كلية السياسة والاقتصاد، جامعة القاهرة، باحثًا عن وظيفة ولم يجد مطلقًا، فقرر أن يغير رأيه ويعمل في مجال مختلف عن دراسته، ولكن كل الأبواب أغلقت في وجهه، فأصبح يعمل سائقًا لـ"توكتوك" مما جعله يختلط بشباب في منطقته العشوائية رغمًا عنه، ومع تحايل منهم لتجربة المخدرات انساق خلفهم، ومنذ ذلك الوقت أصبح مدمنًا عليها، ولم يتمكن من التعافي منها رغم كثرة محاولاته، مستهزئًا بالاختبارات التي يتم إجرائها للتأكد من عدم تعاطي المخدرات قائلًا "هو فين الشغل ده أصلا وأنا ابطلها".

حنان.ك، التي رفضت ذكر اسمها كاملًا، أنجبت ابنًا لا يوجد أحد رآه إلا وتمنى أن يكون لديه ابن مثله، بارًا بوالدته حيث توفى والده قبل أن يولد، ناجحًا في دراسته، عملت من أجله عدة سنوات وعائلة زوجها لم يتركوها، حتى شب "حسن"، وتخرج من كلية الهندسة، ولم يجد عملًا، فأصبح متخبطًا بين الهجرة غير الشرعية وبين البقاء من أجل والدته، حتى دخل في حالة اكتئاب أودت به إلى إدمان المخدرات، وبعيون باكية "مات نتيجة جرعة زائدة من المخدرات.

وقال كريم.م، أحد المتعافين من المخدرات، 32 عامًا، إن الحصول على المخدرات في الفترة الأخيرة أسهل من شراء علبة سجائر، وأن الإدمان والتعاطي وشراء المادة المخدرة أسهل من "الدليفري" لشراء "سندويتشين"، والبطالة من أحد الأسباب الرئيسية لانتشار المواد المخدرة، قائلًا "أنا راجل عندي 32 سنة ومتجوز ومش لاقي شغل ومحتاج أصرف على بيتي"، بينما يجد آخرين قادرين على الإنفاق من مال تجارة المخدرات؛ وبالتالي اندفعت إلى البحث عن كيفية الإتجار بها، مؤكدًا تحول كل متعاطي إلى تاجر.

استنكرت هنا.ك، 36 عامًا، مدمنة، بقولها "مالها المخدرات؟!"، شباب بلا زواج ولا عمل ولا طموح، أين يذهبون؟، بلد سيطر به القانون وتفرض سيطرتها، ولكن عدم وجود أساسيات الحياة يبدو عاديًا، أما اختراق القانون فلا، حيث تخرجت في كلية الألسن بعد وفاة والديها، وعائلتها لا تهتم بشأنها كثيرًا، مضيفة لم يخبرها أحد عنها، وأنها تجربة جاءت بعد أن تعرضت لاجتماع من التنمر أقامه أصدقائها المقربون، ومعايرتها بأدق أسرارها.

وهم النجاة

قالت هبة العيسوي، أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس، إن السبب الرئيسي في انهيار المجتمع هو قلة فرص العمل للشباب؛ فيبدأ الانهيار تسلسليًا من الضغوط النفسية على العاطل عن العمل وشعوره بالنقص؛ لعدم قدرته على تسليط قدراته لبناء المجتمع، وتولد المشاكل النفسية أيضًا من المشاكل الأسرية والتعرض للانتقاد الدائم، فيبدأ الشخص البحث عن أي طريقة يهرب بها من هذه المشاكل والضغوطات، ويكون الطريق الأول لهم هو تعاطي المخدرات بأنواعها، ومن ثم يبدأ في التجارة بها لمحاولة جلب المال يساعده على شرائها مرة أخرى.

وأكد الدكتور نبيل عبدالمقصود، استشاري الأمراض النفسية والعصبية وعلاج الإدمان، البطالة لا يقتصر التأثير السلبي لها على الوضع المادي للفرد والأسرة والمجتمع فقط، بل يتجاوز ذلك المدى ليؤثر سلبيًا على صحة الفرد الذي لا يعمل ويزداد بسببها معدل الوفيات، وتؤثر على المتعاطي تأثيرًا عقليًا وبدنيًا، وتسبب الكثير من الأمراض مثل السرطان والتهابات الرئة وأمراض الجهاز الهضمي، مشيرًا إلى أن العاطل أكثر عرضة للاكتئاب والقلق والتوتر، وفقدان الوظيفة بشكل عام؛ يؤدي إلى ظهور العديد من الآثار السلبية سواء من الناحية النفسية أو الجسدية.

في خطوة واحدة.. كيف تدمر بيتك بنفسك؟

هكذا بدأت هبه سويلم، خبيرة علاقات أسرية، الحديث، فالمخدرات لا تدمر الصحة فقط، بل يمتد تأثيرها إلى الأفراد المحاطين بالمتعاطي نتيجة إنفاق مبالغ ضخمة على المخدرات، فضلًا عن وجود حالة من الاكتئاب المسيطرة على أفراد الأسرة لتفكك الرابط بينها وبين أحدهم، مضيفة أنها وجدت العديد من الحالات خاصة الزوجات والأمهات الأكثر حرصًا على أزواجهن أو أبنائهن، يبحثن عن طريقة لإقناعهم والحفاظ على الأسرة وبقية أفرادها من الهلاك، ويكمن الحل في حل سبب المشكلة ذاتها مثل إيجاد بديل للوظيفة مع اتباع خطوات أخرى كالصلاة والاندماج الاجتماعي، فالعزلة تعزز من إقبال الفرد على التعاطي.

 




إرسال تعليق

أحدث أقدم