ما بين الطرد والضرب والتشويه.. الصغار يدفعون ثمن الفقر

آباء يدفعون صغارهم إلى اعتناق الحرف بدلا عن التعليم.. والتشوه النفسي والجسماني مصيرهم

شيخ أزهري: سيحاسب الوالدين.. ومحامٍ: غرامة حتى 2000 جنيهًا

كتبت نورا علاء، ندى سمير

بينما تجد أطفالًا تلهو تلعب وتبدو دنياهم مليئة بالألوان، يوجد آخرين بين قضبان العمل محجوزين، أجبرتهم أسرهم على العمل للعوز المادي، طفل حرم من الحرية والطفولة، فالأزمة الاقتصادية لم تمثل عبئًا على الكبار حيث نقلوها على أكتافهم الصغيرة، وفي جولة خاصة لفريق "طيف" للتحقيق في جريمة عمالة الأطفال، ينقلها لكم كما هي.

يروون بالبكاء

يعمل عمر عبدالمجيد، ١٠ سنوات، منطقة أرض اللواء، كصبي ميكانيكي؛ ليتمكن من جمع المال لسداد مصروفاته الدراسية، وتتكون أسرته من ١٠ أفراد، وأغلب إخوته يعملون، فأكبرهم ٢٠ سنة ويعمل نقاشًا، والبقية بين النجارة والسباكة والتفصيل وخدمات التوصيل، أما والده فيتحصل على أغلب الدخل من جميع أبنائه لشراء المخدرات، ويسعى لإنجاب المزيد من الأطفال ليدروا المزيد من المال، بينما تعترض والدته لظروفها الصحية، عاملة في المنازل، فيبرحها والده ضربًا، ويتعرض معها باقي المنزل إلى الضرب، مضيفًا أنه عمل بالشحاذة مسبقًا حيث طرده والده ومنعه من تناول الطعام لعدم جنيه المال، وحاليًا منعه من الذهاب إلى المدرسة، ورغم تعرضه للتنمر من أصحابه بسبب قدم ملابسه، إلا أنه يحلم أن يصبح طبيبًا ليتمكن من علاج والدته.

صراخ يومي من عمر حسين، 9 سنوات، بائع في متجر أحذية، شارع شهاب، يعمل في مسح الأحذية والبحث عن المقاس المناسب للزبون، وإذا أخطأ انفتح في وجهه بوقًا من السب لا ينتهي، وقام صاحب المحل بضربه بعصا خشبية غليظة على ظهره، وعندما صرخ الطفل، لقاه الرجل بسبة بشعة أمام جميع الزبائن، ليتدخلوا ويبعدوا الرجل حتى يساعدوا الطفل في الحصول على الطعام وبعض المال، وغادروا المحل.

بينما كان لؤي ياسر، في العمل في المحل المجاور له لإعداد المشروبات الباردة، حيث يستخدم السكين لتقشير الفواكه مع أخيه الأكبر، موضحًا أن هذا المحل يعود إلى العائلة ويعمل به هو وأخوته، وقد اعتاد ذلك، وما يحزنه أنه لا يستطيع اللعب مع أصحابه أو الذهاب إلى المدرسة بانتظام، فالعمل كما يقول والده هو الأولوية، وتمتلئ يده بالعديد من الجروح ويبدو على ظهره الانحناء نتيجة الجلوس لفترات كبيرة منحني.

ثم ألتقينا بـ"يوسف أشرف"، البالغ من العمر أحد عشر عامًا، ويسكن في "طره البلد"، والذى يعمل كبائع حلوى في المترو، وبسؤاله عن سبب خروجه إلى العمل وهو في هذا السن الصغير، أجابنا أن هذا هو أول عام يعمل فيه، وأن والدته هي من دفعته إليه؛ لكسب المال، ويستطيع أن يساعدها في الإنفاق، أما والدته البالغة من العمر 29 عامًا، جالسة في المنزل بدون عمل، ولكنها تحصل على يوميته التي يكسبها من خلال البيع طوال اليوم في المترو، وتقوم بشراء ما يحتاجه المنزل، حيث يعيشان هما فقط، أما عن والده فأخبرته والدته أنه بعد إنجابها له سافر إلى "أيطاليا" للعمل كعامل نظافة بأحد المطاعم، وكان يرسل لهم المصروفات الشهرية، ولكن منذ عدة سنوات لم يرسل لهم أي مبلغ، وهم يعلمون أنه حيُ يرزق، كما أنه لا يذهب إلى المدرسة، ولكنه يذهب إلى دار لتحفيظ القرآن قريبة من منزله.

الأسر مجبورة

فيما تتكون أسرة محمد عزيز، 50 عامًا، من 11 فردًا، ولا يفكر في إيقاف الإنجاب، فهو أمر من الرسول، وعليه ضغط مادي كبير، فأكثرهم من الفتيات، مما أضطره إلى إخراج أبنائه الذكور إلى العمل مهما كان عمرهم، فهو يمتلك ورشة حدادة، وأخيه يمتلك ورشة نجارة، فوزع أبنائه على كلا الورشتين للمساعدة في العمل، ويقتصر فقط في نظره على حمل الأغراض وإعطائه المعدات، وعندما قمنا بتجربة حمل جهاز "الصاروخ" لم نتمكن من حمله.

استطرد موسى الغزالي، يعمل سمكريًا، أن عمل ابنه معه في الورشة واجبًا عليه، فكيف سينفق عليه؟، ولا يجعله يذهب إلى المدرسة، موضحًا أن تعلم حرفة أفضل من التعليم، والجلوس داخل المدارس والجامعة مدة 22 عامًا، وهذا في حالة عدم رسوبه، ناعتًا ابنه بالغباء قائلًا "واد فاشل ملوش في العلام يتعلم له صنعة أحسن".

الطب يعارض

أوضح محمد صلاح، استشاري أمراض باطنية، أن الطفل الذي يعمل في سن مبكرة تؤثر على مختلف الوظائف العقلية، حيث يجد ضغطًا معلوماتيًا كبيرًا؛ مما يؤثر على عمليات النمو، والإرهاق الذي يتعرض له يؤثر على هرمون النمو ووظائف أعضاء الجسم، فيصبح أقل طولًا وأقل ذكاء، ولكن تنمو لديه مهارة السرعة في الأعمال اليدوية، إلى جانب أن تلك الفترة هي الأساسية لبناء الجسد، فيصبح العظم أكثر هشاشة، ويصاب بأمراض الضغط والسكري والقلب مبكرًا عن بقية جيله.

أفاد هاني علي، طبيب أمراض باطنية، أن العمل للأطفال يجب أن يكون في حدود تنمية المهارات وصقلها، خاصة أن العصر الحالي ملئ بالتكنولوجيا ويحتاج الخريج إلى مهارات عدة، فيمكن مساعدة الطفل بها منذ الصغر، ولكن مفهوم العمل كالبالغين يمثل خطورة على الطفل، فهي تعرضه لمواد خطرة مليئة بالجراثيم محدثة أمراض خطيرة، والتي قد لا يقدر عليها الجهاز المناعي لمواجهتها، كما أن العدوى تنتقل من الطفل إلى البالغين، وعمل الطفل في الشارع يعرضه لعوادم السيارات بكثرة، وهذا يعني دم ملوث واحتمالية أكبر للإصابة بسرطان الرئة.

الطب النفسي ينهى

قالت شيماء عوض، إن عمل الطفل يؤثر على صحته النفسية بالسلب، وهذا وحده ينعكس سلبًا على صحته الجسدية، خاصة أنه لازال في مرحلة مبكرة من النمو، وخلالها يتعرض إلى كم هائل من الضغوطات التي قد تدفعه إلى تعاطي المخدرات، إلى جانب تعرضه إلى عالم من الجريمة بأشكالها مختلفة، وهذا ما يحوله إلى سارق بشكل تسلسلي، ويصبح الطفل باغضًا على المجتمع الذي نشأ فيه.

والدين حرمها

ذكر حمدي يوسف، شيخ أزهري، أن الإسلام منع عمالة الأطفال، وإنما قد يصحبه الوالدين إلى أماكن عملهم ليعرفوهم على طبيعة العمل ويفخرون بهم، ولكن إذا خطرًا فلا، فالأطفال هدية من الله يجب الاعتناء بها، وتربيتها على النهج الإسلامي الصحيح كما قال الله ورسوله، فكل عمل ناتج عنه ضررًا نفسيًا أو جسديًا يحاسب عليه الوالدين حسابًا شديدًا.

القانون يحمي الأطفال

وأفاد عماد حسين، محامي بالنقض، أن تشغيل الأطفال جريمة يحاسب عليها قانون العمل الخاص، وتكون عقوبة عمالة الأطفال الغرامة قدرها من 1000 جنيه إلى 2000 جنيه، وتزداد بزيادة الأطفال المجني عليهم، ومضاعفة العقوبة في حالة العودة، إلى جانب إغلاق المنشأة لمدة لا تجاوز 6 أشهر.





إرسال تعليق

أحدث أقدم