عصابات
القمامة منظومة تقسم الشوارع بالمناوبة
إعادة
التدوير غير المنظمة تؤدي إلى الزهايمر والشلل.. ولحوم الحيوانات آكلة القمامة سبب
للوفاة
كتبت
نورا علاء، وشهد أحمد، وسلوى صلاح، وندى سمير
وسط
شوارع القاهرة والجيزة ومبانيها الساحرة تختبئ مناطق صغير تمتلئ بالقمامة، منبع
إعادة التدوير، أماكن لا تعرف للنظام عنوان أو القانون، فقط تسود القوة والسيطرة
من قبل عصابات القمامة، مجموعة من الشباب تفرض قوانينها على الأحياء الصغيرة، من
خلال خريطة تقسم نشاط جمع القمامة، في رحلة لفريق "طيف" داخل المناطق
العشوائية لتكشف أسرار وكيفية عمل عصابات القمامة.
بولاق
الدكرور عنوان الفوضى
تجد
أفراد جمع القمامة بداية من كوبري المرور الخاص بمترو محطة "بولاق
الدكرور"، حيث ينامون على السلالم والطرقات، وتبدأ ضوضاء الباعة الجائلين
تتداخل، وتتزاحم السيارات والمارة في نفس الطريق دون وجود اتجاه سير منظم، كما
لاحظنا وجود ماشية تتغذى على القمامة، وأشكال مختلفة من جامعي القمامة كأنه تدرج
وظيفي للمهنة.
قالت
عايدة أحمد، جامعة قمامة، 20 عامًا، ترتدي ثياب رثة متسخة، إن القمامة مصدر رزقها
أوقات تجمع البلاستيك أو الورق أو المعادن "الصفائح"، وتقوم ببيعها
لتاجر، وقد يقوم هو الأخر ببيعها لتاجر أكبر، ويختارون أرض فارغة أو حولها سكان،
ما يهم هو أن تستوعب كمية القمامة، ويتم التجميع من الشوارع أو صناديق القمامة التي
يقومون بإفراغها في الطريق ويبدؤون بفرزها، فهناك أشياء يقومون بحرقها، ويستغلونها
في التدفئة في أغلب الوقت، ويتم تجميع بعض القطع التي يمكن بيعها مرة أخرى مثل
الملاعق التي قد ينساها البعض في القمامة، والملابس القديمة، وتختلف أسعار بيع
الكيلو من الورق أو المعدن أو البلاستيك حسب التاجر، بل هناك البعض قد يتعرض
الجوال الخاص به للسرقة من قبل زملائه وبيعها مباشرة دون عناء البحث والتجميع.
أضاف
سعيد حسن، جامع قمامة، 45 عامًا، ويملك عربة وحصان للعمل بالقمامة، أنه يقوم
بالسير بعربته حسب الاتفاق مع باقي زملائه، ويتم تقسيم الشوارع حسب الوقت، فمثلًا
هو يمر في هذا الشارع صباحًا وآخر يمر وقت الظهيرة وأخر وقت العشاء، وهكذا
يتناوبون على الأحياء، ويقوم بالنداء قائلًا "زبالة، يا اللي عندك
الزبالة"، ويقوم السكان بالنداء عليه من الشرفات حتى يقف ويقذفون القمامة على
العربة بعد أن يضبطها أسفل النافذة، ثم ينقلها إلى مكان أخر يقوم فيه بفرز القمامة
أو يقوم بهذه العملية أفراد آخرين، ويتم بيعها لتجار كبار، وأوقات إلى مصانع صغيرة
لإعادة التدوير.
وتابع
"سعيد" أنه بعد تنظيفها بالماء والصابون يتم بيعها للمحلات التي تقوم
بضرب المنتجات وبيعها على أنها المنتج الأصلي، وكلما كانت الزجاجات العطرية أو
العلب بحالة أفضل زاد سعر بيعها للتاجر، مؤكدًا أن كل ما يباع في المحلات حتى
العبوات وإن كانت أصلية هي في أساسها زجاجة في القمامة تم إعادة تعبئتها، قائلًا
وهو يضحك "حتى فانوس رمضان أساسه من الزبالة"، أما
"الروبابيكيا" والقمامة فلا فرق بينهم، بل قديمًا كانت بيع لأجهزة مثل الراديو والبراويز أو ما يقال عنه
"أنتيكات"، أما الآن يباع كل ما يمكن ولا يمكن استخدامه، وهى أساس تحوله
من السير بجوال صغير إلى ركوب عربة وحصان.
أما
غادة فرج، مالكة لمتجر، بدأت حديثها برفع كفها في رمز "خمسة وخميسة"
لمنع الحسد، أن هذا المتجر جاء من عملها في القمامة من جمع الصفائح المعدنية
وبيعها، معلقة أن مقاطعة المنتجات التي تدعم الصهاينة قللت رزقها، فكانت أغلب
الصفائح من هذه المشروبات المعدنية، ويتم بيعها إلى المصانع التي تقوم بكبسها
وصهرها وإعادة تشكيلها، أما حول وجود حشرات ودخان القمامة فهو أمر طبيعي قائلة
"لامؤاخذة نعمل إيه، اللي متضايق يمشي"، وأن القمامة التي يسخر ويتكبر
عليها الكثير هي أساس الثراء، فكثير ممن تعرفهم قاموا بشراء منازل وأراضٍ وذهب من عملهم
في القمامة، بل وأولادهم في جامعات.
وتقوم
"غادة" بتسعير بضائعها على حسب ما ترغب، ويتوقف هذا على حالة القطعة
وتدهورها، وأن الكثير يقوم بالشراء منها نتيجة لغلاء الأسعار، متابعة أن أعدادهم
في زيادة مستمرة فلا يوجد عمل والتسول لم يعد كما كان، ويتطلب الذهاب لمناطق
الأغنياء، أما القمامة تحولهم إلى الأغنياء، ولا أحد يجرؤ على العمل في شارع يكون
من مناوبة زميله، وقد يتنج عن هذا صراعات كبيرة تشمل جروح بالغة قد تصل إلى الموت،
فهي قواعد وأصول لا يصح لأحد أن يتعداها، وأنها تتمنى أن تشتهر ويكبر متجرها.
كما
قامت "غادة" بإيصالنا لصديقتها "وداد شحاتة"، والتي أصبحت تمتلك
شقة في عمارة، وهمست "غادة" قائلة "وداد عندها دهب أد كده من شغلها
في الزبالة بس مبتقولش بتخاف من الحسد"، وقابلتنا "وداد" بعباءة
قديمة بالية، وقالت إنها تعمل هي وزوجها في القمامة، وأنهم تحولوا من جامعين إلى
تجار صغار، وما لا يعرفه الكثير أن الأماكن الكبيرة المشهورة تبيع منتجات ليست
أصلية حيث يوصون بالنظر إلى العبوة، والتي يكون أساسها من القمامة التي يتحصلون
عليها من صناديق شوارع الأغنياء، مضيفة أنها افتتحت مصنعًا لإعادة التدوير وتصنيع
منتجات تجميل وعناية بالبشرة، ويتم العمل حسب المنطقة وحسب الوزن، فهناك مناطق
يكثر بها القمامة ويتم تقسيمها على الأفراد، والبيع حسب وزن الكمية.
أما
النوع الأخر الذي اعتاد عليه المصريون هم باعة "الروبابيكيا"، حسين
عليوة، بائع "روبابيكيا"، 19 عامًا، قال إن مهنة "الروبابيكيا"
تغيرت، فأصبح يسير حاملًا ما يقرب من 3000 جنيهًا يتقضاها من التاجر ويأخذها ويسير
في الشوارع بحثًا عن الأجهزة القديمة لشرائها، وقديمًا كان يأخذ والده الذي اتخذ "الروبابيكيا"
مهنة له حوالي 50 جنيهًا، فالثلاجات القديمة أو شاشات التليفزيون وغيرها يتلف منها
جزء معين أو قد يكون تقادم نوعها ولا يوجد لها قطع غيار، فيأخذ التاجر هذه القطع
ويبيعها، وعادة ما تتواجد هذه القطع في منطقة العتبة ووسط البلد.
بعض
الأضاحي تحمل السموم
أوضحت
حنين عبداللطيف، طبيبة بيطرية، أن ما تحمله القمامة من فطريات وبكتريا تسبب أمراض
خطيرة مثل الملاريا وغيرها تكون منتشرة في مختلف أجزاء الماشية، التي انتقلت لها
عن طريق تناول القمامة الحاملة لفضلات الكائنات الأخرى وعفن مواد عضوية، بعد هضمها
تبدأ هذه الفطريات في الانتشار، ولابد قبل شراء أضحية وذبحها من تواجد طبيب بيطري؛
كما يحدث في المذابح الكبيرة التي تقوم بالتوزيع على المحلات المسجلة، مضيفة أنه
يجب التأكد من وجود أختام على الأضحية للتأكد من صلاحيتها للتناول، وإلا قد تنقل
سموم تصل إلى الوفاة في بعض الأحيان.
وأفادت رؤى حاتم، طبيبة بيطرية، أن حيوانات القمامة قد تصاب بأمراض خطيرة تعرض الماشية
للوفاة، ويكمن التأكد من إن كانت مريضة أم لا من أي شخص إن لم يتواجد طبيب يقر
بذلك، ويتم من خلال فحص لحوم الذبيحة والتأكد من لونها وشكل الأنسجة ورائحتها، مضيفة
أن اللحوم الفاسدة إن لم تتبين قبل الطهي فخلال تعريضها للنار تظهر لها رائحة نتنة
وتأخذ ساعات طويلة في الطهي، مؤكدة ضرورة فحص اللحوم ورؤية الأختام عليها لعدم
تناقل الأمراض التي تتطلب نقل فوري للمستشفى.
إعادة
التدوير تمثل خطرًا على الإنسان
أضاف
محمد الشهاوي، أخصائي الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي، أن تعرض جامعي القمامة إلى
لكثير من الروائح الكريهة بشكل مستمر دون إجراءات وقائية يعرضهم للإصابة بالإسهال
الشديد والقيء وارتفاع درجة الحرارة، ويمكن أن يتسبب في الرشح وضيق التنفس
والحساسية، وأنهم أكثر عرضة للإصابة بمرض الربو وأمراض الجهاز الهضمي والتهاب
العين والجلد ويتعرضون للتسمم بالغبار العضوي والحمة والصداع، والحل الأهم لعدم
التعرض إلى تلك الاصابات؛ هو الحد من النفايات وفرزها جيدًا قبل التخلص منها،
والالتزام بإجراءات السلامة مثل ارتداء القفازات والكمامات.
قالت هدى مكي، طبيبة الأمراض
الجلدية، إن وضع القمامة في الشوارع وقرب المناطق السكنية لإعادة تدويرها بطريقة
عشوائية يجذب الحشرات الحاملة للأمراض، وأن النفايات المنزلية الصلبة وبقايا
الطعام والمهملات الورقية تؤدي إلى تفشي أمراض الملاريا والتيفويد وتكاثر البكتيريا
والفيروسات، وتناول المنتجات الغذائية المنتهية الصلاحية مثل مشتقات العصير
والحليب والأغذية المعلبة يؤدي إلى التسمم الغذائي؛ الذي تظهر أعراضه في فتره
زمنية قصيرة على هيئة غثيان وإسهال ومغص في البطن وحمى، مما قد يؤثر على الجهاز
العصبي ويؤدي إلى الشلل.
وأكملت "مكي" أن
الجلد يعد أكثر الأجزاء تأثرًا بعدم الاستحمام خاصة مع التعامل المباشر مع القمامة
وتراكم الجلد الميت، بالإضافة إلى العوامل الأخرى مثل التعرق والتعرض للغبار
والأتربة، يصبح الجلد بيئة خصبة لنمو البكتيريا الضارة، التي تنتصر في نهاية الأمر
على البكتيريا النافعة الموجودة في أجسادنا وتظهر أمراض مثل الزهايمر، والأكزيما.

