رغم الفقر.. جامعو القمامة ينفقون ما يتحصلون عليه بالشحاذة في المخدرات والبغاء

 

المخدرات دواء للعاملين بالقمامة.. والشحاذة أسلوب وفكر

التجار تتعمد تجويع الأضاحي لإجبارها على تناول القمامة

               استشاري أمراض باطنية: القمامة تؤذي جامعها والمار بجانبها 

كتبت نورا علاء، وشهد أحمد، وسلوى صلاح

وسط جموع القمامة يعيش أفراد ألفوا المرض، ويشكلون خطرًا على أنفسهم والآخرين بأمراض خطيرة ومعدية، قد تصل إلى كونها قاتلة يتجول حاملها بين الناس، بل ويرفض العلاج، فالمرض مهنة من لا مهنة له، كسب مال دون مجهود فقط بالجلوس ومد الأيدي للمارة وأخذ ما فيه النصيب، هذه هي حياة جامعي القمامة، فكيف يجدوا أنفسهم وكيف يراهم الناس؟.

المرض مصدر للمال

لا يعرف حمادة العسال، الشهير ب"سوسته"، بأي عمر هو، وعمله في القمامة أصبح عادة، فزالت رائحتها من أنفه، وأن المرض يأتي بالفقر ويعرف أصحابه، والعمل في القمامة مربح أوقات وأخرى لا، متسائلًا وهو مبتسم باستنكار "يمكن المخدرات هي اللي بتاخد الفلوس، بس لولاها مكنتش اشتغلت ولسه عايش"، وأنه يجد في المخدرات سبيلًا لتخفيف أعباء الحياة بعيدًا عن الحزن والشكوى المستمرة، رغم تسببها له بالعديد من الأمراض.

وذات يوم أثناء عمل حماده، أصيبت ساقه بأحد علب المياه الغازية المعدنية، ولم يهتم بهذا الجرح وأخذ ينزف، واجتمعت عليها الحشرات مثل الذباب وغيره، مكتفيًا بتنظيف الجرح بالماء فقط، وبدأ بملاحظة تضخم مكان الجرح وإفرازه لمادة سائلة لزجة، وبدأ يستثمر في مرضه من خلال طلب المال للعلاج، فيأخذ المال لشراء المخدرات والطعام والشراب وأوقات أخرى للبغاء، وفي بعض الأوقات لم يكفيه المال فبدأ بالتردد على الجمعيات الخيرية والمساجد لطلب المساعدة، لكنهم حسب قوله حفظوه وامتنعوا عن مساعدته، وفي يوم قابله طبيب قام بإعطائه المال وعرض عليه أخذه للمستشفى الخاص به، ولكن "حمادة" رفض، وحسب تشخيص الطبيب المبدئي فهو مصاب بمرض الغرغرينا، وهو تعفن جزء من الجسد يجب بتره.

عانت شادية فتحي، من النحافة بسبب قلة الغذاء، وأنها في يوم عملها لجمع القمامة كانت مسرعة لتأخر الوقت ورغبتها في الوصول في موعدها إلى التاجر، وأثناء عبور الطريق دهستها سيارة تسببت لها في إعاقة بقدمها ولم تستطع السير منذ ذلك الحين، وتكفل صاحب السيارة بعلاجها واستضافتها في غرفة فوق السطح وتخدمها زوجته حتى تعافت، ورغم تعافيها وقدرتها على السير مع القليل من العرج إلا أنها مستمرة في استخدام الكرسي المتحرك لكسب المال.

أما غادة عصام، وأخيها "محمود" لا يملكون أية أمراض؛ ولكنهم يدعون ذلك، فيجلس أخيها على الأرض البالغ من العمر 9 سنوات ويطلب المال دون التحدث كأنه أبكم، والكثير يتعاطف معه خاصة أن ملامح وجهه توحي بالصدق وأنه يستحق المساعدة، مضيفة أن الفكرة ليست في الطريقة لكسب المال وإنما في اختيار الوقت والمكان، فمثلًا في شهر رمضان تتعمد الذهاب إلى المناطق السكنية المعروفة بالثراء وتجلس فقط لا تفعل شيء، وأوقات تدعي البكاء والدعاء بالرزق وينهال عليها المال وقتها، قائلة "أقل زبون بيديني وقتها 200 جني"، أما بقية العام فتعتمد على ادعاء المرض، وتذهب إلى الجمعيات الخيرية بمناطق متفرقة ومرة تدخل هي والأخرى أخاها، وبالتالي يحصلون ضعف المبلغ دون أن يتم حفظ ملامحهم وطردهم.

بينما يرى محمود فراج، أن العمل في القمامة غير مربح بقدر العمل في الشحاذة، خاصة عندما تكون حامل لمرض له أعراض ظاهرة على الفرد، لكن الأعراض الباطنية غير مربحة، فقرر أنه يقوم بإصابة نفسه متعمدًا وزيادة عمق الجرح حتى يكسب المال، فقام باختيار قطعة زجاجية وأصاب بها نفسه بعد شراب جرعة كبيرة من المخدرات والخمر، ولكن باعتدال، لأنه رفيقًا له قد قام بتجربة الأمر ولا يعلم ما سبب موته المخدرات أم خطورة الجرح، فكلاهما كان فاقدًا للوعي بسبب الخمر، قائلًا إن لم يأت المرض أنا سآتي به.

الأطباء يحذرون من التعامل مع القمامة وحاملي أمراضها

قال الدكتور محمد عبد الكريم الشهاوي، أخصائي الأمراض الباطنية والكبد، إن هناك مخاطر صحية كبيرة ناتجة عن مهنة نبش القمامة ومنها الإصابة بالديدان المعوية والطفيلية والإسهال، ويعد هذا الأمر طبيعي لأن النفايات غالبًا ما تكون ملوثة بالمواد البرازية، ولا يستخدم نباش القمامة عند ممارسة المهنة أي قفازات تمنعه من التعرض للإصابة، والقمامة بها مواد حادة مثل الإبر والزجاج والمعادن الملقاة وغيرها، والتي تشكل جروح وإصابات للعاملين بنبش القمامة، وعلى الرغم من كم الإصابات التي يتعرض لها نابش القمامة إلا أن العائد المادي لتلك المهنة ضئيل جدًا، ولكنهم مضطرين لذلك.

وأضاف هاني سعيد بطرس، استشاري أمراض باطنية، أن المخاطر الصحية الناجمة عن ظاهرة جمع النفايات، لا تؤثر فقط على جامعها، بل تؤثر أيضًا على المار بجانب القمامة التي تم نبشها؛ لأن القمامة حاملة لميكروبات عديدة، وعندما يبعثرها جامع القمامة تنتشر وتتبعثر الميكروبات حولها، ومن الممكن أن يتعرض من يمر بجانبها إلى الإصابة وانتقال الميكروبات بين الأشخاص عن طريق التنفس، وأن جامع القمامة من الممكن أن يعمل دون إيذاء غيره في حال انتهائه من جمع القمامة وأخذ ما يريد من خلال ردها في صندوقها مرة أخري ولا يتركها مبعثرة في الشارع حتي لا يتسبب في إيذاء جسدي من يمر بجانبها؛ لأن القمامة تحتوي علي مواد معدنية أو زجاج، ويمكن أن تثير فضول الأطفال العاملين بالمهنة ويقومون بلمسها.

أكد محمد عبد الشكور، أخصائي أمراض جلدية، ضرورة أن يعرف جامعي القمامة أن هناك الكثير من الأمراض التي تنقلها الحشرات والحيوانات التي تنجذب للقمامة ومن أكثرها الذباب؛ والذي يتسبب في أمراض العيون وأمراض الجهاز الهضمي، ويسبب البعوض أمراض الملاريا وتنقل الصراصير الميكروبات، وأن القمامة لا تجذب الحشرات فقط، وإنما تجذب الحيوانات أيضًا مثل الكلاب والفئران والتي تنقل للإنسان الأمراض الطفيلية والجلدية كالجرب الذي يسبب الحكة والفطريات، ويجب عليهم أن يعملوا بحذر لتجنب تلك الأمراض.

نصحت الدكتورة لوسي إدوارد، تخصص الطب الوقائي، بالإجراءات المهمة التي يجب علينا إتباعها للوقاية من الأمراض الناتجة من تعاملنا مع المهملات، إنه يجب غسل الأيدي بالماء والصابون بعد إلقاء القمامة مباشرة، مضيفة أنه في بعض المناطق الشعبية يسير الأطفال حفاة في الشوارع فتجرح أرجلهم ويصابون بالأمراض، ولذلك علينا منع أطفالنا من هذه العادة، مؤكدة ضرورة التوجه لأقرب مستشفى عند ظهور أعراض غريبة على الفرد بعد التعامل مباشرة مع القمامة،  وحذرت من تغذية حيوانات الأضاحي على القمامة، متابعة أنه يتعمد بعض التجار الجشعين إلى إقامة شوادر عشوائية بجوار تجمعات القمامة، ويحترفون تجويع حيوانات الأضاحي لإجبارها على تناول المخلفات، ما يتسبب في تلوثها بدءا من الفراء مرورًا بالجلد واللحوم؛ مما يهدد صحة الحيوان والإنسان ويمهد لانتشار العديد من الأوبئة.

وأضافت هدى مكي، طبيبة أمراض جلدية، أنه يجهل الكثيرون أن عدم الاستحمام لفترة طويلة لا يصيبك فقط بالرائحة السيئة، وإنما قد يؤدي إلى العديد من الآثار السلبية الأخرى على الصحة والجسد، علما بأن المعدل الطبيعي والمقبول للاستحمام هو كل ثلاثة أيام بحد أقصى مهما كانت برودة الجو، ولكن بالنسبة للعاملين بالنظافة أو الأشخاص الذين يمارسون الرياضة عليهم الاستحمام يوميًا خاصة في فصل الصيف.

إرسال تعليق

أحدث أقدم