كتب: إسلام عبد الجواد
كانت عائشة ذات الـ19 ربيعًا، واحدة من نساء سودانيات
كثيرات انقلبت حياتهن رأسًا على عقب بعد أن استبحيت أجسادهن في الحرب، واحدة من
بين قصص كثيرة مروعة تتكشف يومًا تلو الآخر مع توسع الحرب واحتدام معاركها، قصص
كلها تحمل عنوانًا واحدًا، "اغتصبني جنود الدعم السريع"، فما هي قصة
عائشة؟.
في أحد أحياء مدينة نيالا بغرب السودان، وفي أحلك لحظات الظلام انشغلت عائشة بإعداد الطعام
استعدادًا للعشاء رفقة والديها، وإذا بالباب سمعوا وقع أقدام
غريب أثمر عن اقتحام عنيف دون طرق أو سابق إنذار، كان الاقتحام لاثنين من قوات الدعم
السريع، ودهش الجميع وتوالهم الارتباك من وقع الحدث، لكن الوالد فوجئ بالاعتداء
عليه وتكبيله، ثم انقضا على ابنته، فبادرهم هاتفًا أن يكفوا عنها، ولكنه
وجد منهما قلبًا قاسيًا وأذنًا صماء، فمضيا معًا يوسعونها ضربًا، وهي تتخبط بينهم
هائجًة مترحنًة، ولم يتركوها حتى قضيا حاجتهما وقد سال الدم منها.
تروي
خالة عائشة، لـ«طيف»، «لم يكتف الاثنان بابنته فأقدما على ذات الفعل مع زوجته، وسط
صرخات مُستغيثة منهما ومحاولات بلا جدوى، أعقبه رحيل أفراد الدعم السريع وسط بكاء
ونحيب الأسرة بأكملها، دون تردد تقدم الأب من ابنته وسندها بذراعه وهي توشك أن
تقع، وكان ما مضى قد سحب النسيان عليه ذيوله أو كاد، وكانت الابنة من الناحية
الأخرى توالي صراعًا بكيفية البقاء على حياتها خوفًا من العار، لم تعدل الفتاة
نهائيًا عن فكرة الانتحار، كيف؟.. والوصول إلى حبوب لمنع الحمل أشبه بالمستحيل في
وقت تخرج فيه الصيدليات بمناطق النزاع عن الخدمة».
تابعت
خالة عائشة، عانيت الأسرة تجربة مرة ولم تستطع أن تنجو من آلام الواقعة، وخيم
عليهما صمت عجيب، فلم ينبس أحدهما بكلمة، وظل الجميع مُستيقظًا في غرفته يبكي، لا
سيما بعدما فقدت عائشة عذريتها، وظنت شقيقتي وزوجها أن النوم سيغلب الفتاة في
نهاية الأمر إلا أنها لم تتحمل ما حدث، وفوجئ والدا عائشة في الصباح
بانتحارها.
قبيل
الفجر بقليل صعدت عائشة -التي أطفأت شمعتها الـ19 في يوليو العام المنصرم وكانت
تدرس بالصف الأول الجامعي- إلى مروحة السقف المُعلقة وشنقت نفسها، ليتفاجأ
الوالدان بها متدلية في الصباح وقد زهقت روحها، قائلة بحزن «ماتت ابنة شقيقتي بعد
اغتصابها وحرمانها من الحياة، ودفنها والدها في باحة المنزل خوفًا من العار».
«سكنت
عائشة قبرًا تراكم عليه ثرى الإخفاء، وضاعت حياتها هباءً؛ فقررت أن أحكي تجربتها،
لعل بقصتها أن نتفادى نهاية محزنة لفتيات السودان، أو نجد وسيلة ما في سبيل الدفاع
عنهن، عسى أن يعقب ذلك أمل بسام تستضئ بنوره حياتهن». - كما تقول خالة الفتاة.
