كتب إسلام أحمد
بقامة
طويلة وجسد رشيق وبشرة قمحية، في سترة زرقاء، منهمكًا في مكنسته باحتشام الموظف
الشريف الذي يؤدي عمله على أكمل وجه، تراه بوجه مستدير، توحي هيئته بتنسيق جميل،
تملأه هالة من التجاعيد، إلا أنه يبعث في النفس أثرًا بهيج يخفف من كآبة اليوم
الذي نعيش فيه، هكذا بدا العم إسماعيل، أحد عاملي النظافة بدائرة الدقي التابعة
لمحافظة الجيزة.
يروى
إسماعيل محمد،
عامل نظافة على وشك بلوغ الستين عامًا، حكايته مع جمع النفايات لـ«صوت الجامعة»،
قائلًا: "أعمل في المهنة منذ كان عمري 31 عامًا، بعد أن كنت أعمل بمهنة غير
منتظمة، ووظبت عليها حتى اخترت أن امتهن تجميع النظافة معها بعد أن يئست من قلة
عائدها، ولعلني بت أخاف في أعماقي على مستقبل أسرتي وأولادي، لهذا لم أتردد لحظة
عن بذل جميع ما أملك في سبيل مرضاتهم، فنسيت بها جميع آلامي.
يواصل
العم إسماعيل كلامه عن مهنة جامعي القمامة، قائلًا بابتسامة باهتة تنم عن فزع
ويأس؛ لما رآه في تلك المهنة بصوت يملأه بالحيرة والقلق: "لا أبرح الشارع حتى
يسدل الليل سدوله، ورغم أن الجو شديد البرودة إلا أن السرور يدخلني بأني أتحمل
قسوة الجو في سبيل تنظيف الأمكنة، وعندما أعود إلى البيت في نهاية اليوم أشعر
بسرور كبير يهيئ لي أني رجل شريف".
ظهر
أن الرجل لم يتجاهل العقبات، فلم ينس أن جمع المخلفات مهنة صعبة تحيطها جميع
الأخطار من زجاج مكسور، إلى استنشاق الروائح الكريهة والدخان والغبار، بالإضافة
إلى النفايات الطبية والمواد الكيميائية الخطرة، ففي بداية الأمر وجدا ميلا لا
يقاوم إلى البكاء لازمه أشهر طوال، ولكنه لم يجد غيرها مهنة مستديمة تطعمه
وأولاده، فهرع للعمل بها استجابةً إليهم.
"اعترض
سبيلي حادث أمسك بخناقي في الكابوس، فلم يخطر ببالي لحظة واحدة أن أبنائي سيخجلون
من مهنتي، طالبين مني الكف عن مزاولتها؛ لما تحدثه في أنفسهم من مهانة وإحراج،
وغشتني كآبة ثقيلة لم تفارقني طوال تلك الأيام السود، إلا أنني وجدت نفسي بحاجة
إلى انتحال الأعذار الكاذبة لهم عن ذلك الادعاء، كونهم لم يطيقوا الوقوف مني موقف
المعارضة وسرعان ما تحولوا إلى جانب التأييد، فانكشفت عني الغمة، وتظاهرت بالسرور
والارتياح" -
كما يقول العم إسماعيل.
اختتم الرجل الستيني كلامه بابتسامة، مردفًا "وجدت
في المهنة مزايا خليقة بأن تذهب مخاوفي المستقبلية وإن لم تقلل من أسباب نفوري منها،
من ذلك أن وقت العمل مقصور على 6 ساعات في اليوم ينتهي عادة في الساعة الواحدة،
ومنه التمتع بالحرية طوال اليوم بإيجاد عمل أخر يسهل من مصاعب الحياة، ومنه وهو
الأهم أن المهنة لم تعد تقتصر على جمع القاذورات فقط بل امتدت لاشتغل وظائف شتى أبرزها
إعادة التدوير ببيع البلاستيك والكرتون والصفيح، ما يعود بعائد مادي لا بأس به".
