أزمات الوطن العربي طويلة المدى
حل
الأزمات ينبع من داخل الدولة وليس خارجها.. ولا يوجد إرادة سياسية توضح
مستقبل الوطن العربي
الأزمة
السودانية صعبت التوقعات المستقبلية.. وامتثال إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية
نقطة فارقة
الشعب
الفلسطيني يصله مختلف أشكال الدعم.. ومصر شريان الحياة لغزة
كتب: رحمة سعيد، عبد الرحمن أحمد
يشهد الوطن العربي أزمات كبرى من جميع النواحي
الاقتصادية والسياسية وتغيرات اجتماعية، والتي بدورها تنعكس على مصر وأمنها، ويحتاج
المشهد إلى تحليل أوضاعه، ففي حوار "بره الكادر" مع الدكتور محمد
العرابي، وزير الخارجية الأسبق، أوضح لنا أوضاع الدول العربية حاليًا، وموقف مصر
جراء تلك الأحداث، وإلى نص الحوار..
1- ما تقييمك
للأوضاع الحالية من نزاعات في الشرق الأوسط وتأثيرها السياسي والأمني على مصر؟
الشرق الأوسط يعاني كثيرًا، ونحن في حالة فوضى
استراتيجية في المنطقة؛ فيوجد جديد كل يوم، وتحدث تطورات سلبية، ومعظمها تؤثر على
مصر، فعلى سبيل المثال الحوثيين والتأثير على الملاحة البحرية في البحر الأحمر
وتأثيرها الاقتصادي على قناة السويس وأيضا حرب غزة، فأي حرب تقوم بالقرب من حدودك
لها تأثير على أمننا القومي والاستقرار في الإقليم كله، فالإقليم في حالة فوضى،
وهناك دول كثيرة تستغل هذه الفوضى، وتعمل بالوكالة مع بعض الأذرع التابعة لها في زيادة
عملية عدم الاستقرار في إقليمنا، وهذا يمثل عبء استراتيجي كبير على مصر.
2- ما تقييمك
للدور الذي تقوم به مصر لحل أزمات الدور العربية؟ وفيما تتلخص تلك الجهود؟
سنبدأ بتعريف أزمات العالم العربي بأنها أزمات
طويلة المدى، وسنعيش معها لفترة، ففي النهاية يجب أن ينبع الحل من داخل الدولة
نفسها أكثر مما هو نابع من الدول الخارجية، أو حتى عن طريق الوساطة التي تقوم بها
مصر لحل الأزمات الليبية أو السورية إلى أخره، فكلها أزمات قد تكون خارج السيطرة، فمصر
هي الأخ الأكبر للدول العربية التي تعاني من مشكلات مزمنة، وهو أمر صعب، وفي
النهاية يضعف الأحوال في الإقليم وينتج عبئًا زائدًا على الدولة المصرية بأن تتحرك
بقوة ونشاط من أجل محاولة التوسط بين الأطراف المتنازعة ومحاولة وضع حلول سياسية.
3- من وجهة نظرك
السودان إلى أين؟ وكيف يمكن أن تصل إلى السلام؟
السودان في محنة كبيرة جدًا، وهي أكبر محنة تمر
بها الدولة الشقيقة الهامة بالنسبة إلى مصر، وهي لم تشهدها من قبل، فمن الصعب
التنبؤ بمتى سنرى عودة السودان إلى تماسكها وفرض سيادتها على كامل أراضيها؟، وتظل
وحدة واحدة من أخطار التقسيم والانفصال من بعض الأجزاء، فالوضع في السودان وضع
خطير، وإذا لم يبدأ الشعب السوداني بسرعة في محاولة وقف إطلاق النار والدخول في
عملية سياسية جادة تجمع كل الأطراف؛ فسيظل الشعب السوداني يعاني لفترة كبيرة.
4- في رأيك من
المسؤول عما يحدث في السودان الآن؟
سؤال جيد يتطلب حرص في الإجابة، مصر تؤيد فكرة
الدولة المركزية، التي تستطيع فرض تواجدها على كل أركان الدولة، فبالتالي نحن نرى
أن الجيش السوداني هو الجيش الشرعي الوطني الذي يقوم بدور لملمة الوضع هناك، ولكن
في النهاية بعد كل الدماء التي أريقت من الطرفين، فمن الضروري أن يكون هناك محاسبة
للطرفين، فلا يمكن بعد كل ذلك القتل والتخريب والنهب والاغتصاب، ولن ندعهم يجلسون ويتم
تسوية أمورهم دون محاسبة، فالوضع مرتبك وبالتالي كل الأطراف عليها مسئولية.
5- هل هناك مساع
دبلوماسية تسلكها مصر لبحث السلام في السودان؟
بالطبع، مصر لن تتوقف عن هذه المساعي، فالدور
المصري به قدر كبير من الحكمة والنصح، فمصر على تواصل مع الجميع، وهناك مبادرات
مجتمعية نابعة من المجلس المصري للشؤون الخارجية، وهي قائمة على فكرة أن الملكية
يجب أن تكون للإرادة السودانية، فنتمنى أن يتبنوا هذه المبادرة ويحاولوا الوصول
لحلول سياسية سريعة هناك.
6- الأزمة
الفلسطينية هل هي بداية لحرب عالمية بسبب انقسام الدول؟
لا أعتقد أننا سنصل لتلك المرحلة، ولكننا في العصر
الحديث نسير في نوع من الحروب بالوكالة، فكل طرف له أزرع وأشخاص قائمين على تنفيذ
مخططاته، وبالتالي الحروب تكون في إطار محصور، سواء إقليمي أو اشتباك عن طريق
المسيرات والقذائف الصاروخية، ولكن فكرة الوصول لحرب عالمية فهو أمر بعيد وغير متوقع.
7- ما دور محكمة
العدل الدولية بقرارتها في حل الأزمة الفلسطينية؟
أشخاص كثيرون يبالغون في دورها، فهي في الأخير
محكمة، وبالتالي لا تستطيع إصدار قرار بوقف إطلاق نار، فهذا قرار مجلس الأمن، فأرى
أنها أدت ما تستطيع أن تؤديه، ومن الإنصاف أن نقول أن القرار بكون إسرائيل توضع
أمام المحكمة في حد ذاته يعتبر أمر جيد للقضية الفلسطينية، التي أصبحت محل اهتمام
من كل دول العالم، فمثلا وزير الخارجية البريطاني صرح أنه من الممكن الاعتراف
بالدولة الفلسطينية وهذا أمر لم يكن موجود من قبل.
8- ما رأيك في
موقف الدول العربية مما يحدث في فلسطين والسودان؟
يجب أن نضع أولًا خطًا عريضًا، وهو أن كل الدول
مهتمة بالقضية الفلسطينية بدرجات متفاوتة، فمثلا مصر والأردن، فلهم مصالح ودور أقوى
في حل الأزمة أكثر من الدول البعيدة، وقطر والسعودية والإمارات لهم دور أيضًا
ويستطيعون أن يكون لهم دور في تقديم الحلول أو الوساطة من أجل وقف إطلاق نار أو
هدن إنسانية، فالموضوع المثار حاليًا بوقف الإسهام الدولي لوكالة غوص اللاجئين يؤكد
دور الدول العربية في دعم هذه الوكالة أو تعويض النقص الناتج عن ذلك، ففي النهاية
يجب أن نؤكد أن الشعب الفلسطيني يجب أن تصل إليه كل المساعدات في جميع المجالات،
أغذية، ملابس، وقود، رعاية صحية، فلذلك الدور المصري أهم دور، فتعتبر مصر شريان
الحياة بالنسبة لغزة، فيجب أن تسير الأمور في إطار تنسيقي بين الدول العربية
وبعضها، وإقامة مؤتمر وزراء خارجية لتنسيق ذلك بشكل أوضح.
9- بعد مرور ما
يقرب من 13 عامًا على أحداث الربيع العربي، إلى أين وصلت الدول القائمة بها؟
للأسف جميعهم تراجعوا، ونستطيع أن نقول أن ثورات
الربيع العربي كان لها أهداف نبيلة، لكن للأسف أدت إلى كوارث كبيرة في الدول التي
قامت بها، تحديدًا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ولم يحدث تقدم في الناحية
السياسية، وبالتالي يعتبر إهدار لثورات نبيلة، وضاعت نتيجة الاضطرابات الموجودة في
الأقاليم، وأصبح البعض ينظرون إليها بنظرة سلبية إلى حد ما.
10- هل هناك
مبادرات أو سياسات خاصة قامت بها مصر لتسهيل استقبال اللاجئين والمهاجرين من الدول
العربية المتضررة بالنزاعات وتقديم الدعم اللازم لهم؟
بالطبع، ستكتب لنا في تاريخ العلاقات مع السودان أننا
فتحنا حدودنا دون قيد أو شرط، بالنسبة لفلسطين فأخر حدث كان هناك أم أنجبت طفلة
كانت بحاجة لرعاية خاصة؛ لأنها ولدت قبل موعدها فتم نقلها لمستشفى بالعريش فورًا،
فنحن نقدم خدمات كبيرة صحية وغذائية، ودورنا في موضوع اللاجئين عموما دور فريد من
نوعه، لأننا لا نضعهم في معسكرات ولا نستخدمهم كورقة تفاوض مع الدول الأخرى، فمصر
تتمسك بالدبلوماسية والإنسانية.
11- ما هي جهود
مصر في الحفاظ على التوازن بين الالتزامات الإقليمية والدفاع عن حقوقها وحقوق
العرب المتضررين من الحروب؟
هو دور دبلوماسي شاق لكي نسير السياسة في ظل ظروف
العالم، فالأمر يتطلب بذل جهد دبلوماسي غير طبيعي لكي نحقق توازن بين المبادئ التي
نحب أن نسير عليها وبين مصالحنا، وقد نجحت مصر في الفترة الاخيرة بوضع سياسة تخلق
نوع من التوازن الدقيق بين المصالح والمبادئ، وبدأت دول عديدة تتخذ نفس الاتجاه،
ونجحنا فيه حتى الآن، وخلقنا علاقات متوازنة بين جميع دول العالم، فمصر ليس لها
أعداء.
12- كيف ترى
مستقبل الوطن العربي؟
مستقبل الوطن العربي يجب أن يكون قائم على فكرة
التكامل الاقتصادي، وهو أمر غير موجود ولن يوجد في المستقبل القريب للأسف،
وبالتالي الأوضاع ستظل كما هي لفترة، فنحن محاصرين بمشاكل مزمنة، ولا يوجد إرادة
سياسية واضحة، وإجابتي لن تكون متفائلة.
