كتبت: سلوى صلاح
بدأت قصة محمود علي، الذي يبلغ من العمر 12 عامًا، بوفاة
أبيه وأمه في حادث سيارة منذ عامين، وكان عمره وقتها 10
سنوات، لا يعرف من الدنيا سوى بيته ومدرسته، وينتظر احتواء أقاربه له لصغر سنة
وعدم خبرته، ولكن بدون شفقة أو رحمة ألقوه في دار أيتام، ومكث هناك لمدة عام كامل،
ولكنه كان يتلقى الضرب بصفة دورية والطعام كان سيئًا؛ مما أضطره للهروب هو وخمسة
من زملائه في الدار، فلم يعرف أين يذهب ولم يجد مأوى له سوى الشارع وظلمته.
ظل
"محمود" يبيت في الشارع مدة يومين، حتى وجد أثناء سيره رجلًا يرتدي
ملابس بالية بإحدى شوارع مدينة نصر، وكان يأكل سندوتشات الفول والطعمية، التي
أسالت لعابه، حيث لم يدخل الطعام أو الماء جوفه منذ هروبه من الدار، فجلس بجانب
هذا الرجل، ولم يشعر بنفسه وعيناه تحدق بطعامه، حتى قرر الرجل منحه جزء منه، ووجد
"محمود" يأكل بنهم شديد، وبعد أن فرغ من تناول الطعام سأله عن اسمه ومن
أين جاء، ليجد فيها "محمود" فرصة للحديث، قائلًا "أخبرته باسمي
ومعلومات كثيرة عني؛ لأني شعرت أنني احتاج إلى حكاية ما بداخلي ووجدت وقتها الفرصة
سانحة لي".
ولم
يعلم "محمود" ما ينتظره الرجل خلف هذا الحوار، لينتهي الحوار ويعرض عليه
الرجل أن يعمل معه، فأجابه "محمود على الفور بالموافقة، وتساءل في أي عمل ليتفاجآ
بعدها أنه سيعمل بالشحاذة، ويرفض "محمود" بعدها، ولكن مع استدراج الرجل
وظروف حياة "محمود" يستلم لرغباته، مكملًا "ذهبت معه إلى بيته
وهناك وجدت أطفال كثيرة يبدو عليهم الحزن والبؤس، فشعرت بالخوف الشديد ليخبرني
الرجل ألا أخاف، وأن هؤلاء أخوتي وهذا بيتي، ومن غد سأبدأ في عملي، ثم أغلق الرجل بعدها
الأنوار ونام الأطفال.
أول
يوم في الشحاذة، تابع "محمود" "جاء الرجل وأيقظنا جميعًا وطلب من
كل واحد منا الذهاب إلى مكان مختلف ليبدأ ممارسة عمله"، لتبدأ ملامح محمود في
العبوس قائلًا "كنت أكذب على الناس وأقول لهم إن بضاعتي سرقت مني وأريد بعض
المال لتعويضها، وبالفعل حصلت على أموال في ذلك اليوم، وعندما عدت إلى البيت أخذ
مني الرجل كل المال ولم يعطيني سوى القليل الذي يكفي لشرائي سندوتشات الفول،
وعندما اعترضت قام بضربي برجليه"، ليسمع محمود جملة "مش كفاية أني لميتك
من الشارع" التي جعلته يخضع لذل الرجل.
وظل
"محمود" في هذا الحال بين البكاء وتذكر أبيه وأمه، وتمنيه لجوارهم، ولم
يحاول أبدًا ترك المكان، كيف؟ وهو ليس لديه مأوى غيره، وأرتضى "محمود"
أن يعمل مقابل الحصول على لقمة العيش، وأكد أمنيته أن يعيش حياة سعيدة مثل بقية
الأطفال، والذهاب إلى المدرسة وتحقيق حلم والديه.
