إنسان للبيع.. تجارة الأعضاء تنشط بسبب غلاء المعيشة

 

وزير الأوقاف: بيع الأعضاء جريمة تنقص كرامة الإنسان.. والتبرع بها جائز وفقًا للشروط

وكيل الأزهر السابق: الشريعة تؤكد حرمة الجسد.. والمتاجرة بأعضائه انحطاط أخلاقي

مختار: اضطررت لبيع كليتي لإنقاذ حياة ابنتي.. وحسام: عرضت جسدي للبيع لصعوبة حالتي المادية

كتبت نورا علاء، سلوى صلاح

في زمن تزداد فيه قيمة الأشياء وبلغت الأزمة الاقتصادية ذروتها، فقد الإنسان شعوره بقيمته على العمل وادخار المال وتأمين حياته، الشباب المصري من مختلف المحافظات يختار المال على صحته ويبحث عن طبيب يتجر بأعضائه، فما هي قصتهم؟

روى "مختار.ح"، 27 عامًا، الإسكندرية، أنه قام ببيع كليته، رغم إصابته بفشل كلوي، إلا أنه وقتها لم يكن لديه خيار آخر ولم يندم على قراره، فابنته الرضيعة ولدت بمشكلة في القلب وكانت تحتاج لإجراء عملية، وبدأ في التداين من كل معارفه ومن العمل، إلا أن المبلغ لم يكن كافيًا، إلى جانب وجود تكاليف العلاج قبل وبعد العملية، حتى دله أحد الأفراد على طبيب رفض ذكر اسمه، على أن يحصل منه على بقية المبلغ الذي يحتاجه "مختار" ويأخذ الطبيب كليته.

وأفاد "حسام.ك" 29 عامًا، الجيزة، أنه بالفعل صار يطلب من أصدقائه والأطباء بشكل غير مباشر من خلال المزاح أن يقوم ببيع كليته نظير مبلغ مالي، موضحًا أن الموضوع منتشر بشكل كبير، ولا أحد يعلم بتلك الشبكة نظرًا للتعتيم الكبير، التي تعرف عليهم من خلال أحد أصدقاء الفيسبوك، وبدأ في التواصل معهم، ووقتها قرر أنه لن يبيع كليته للحصول على المال، بل اختار أن يصبح سمسارًا من خلال جلب بعض المرضى إما بالاتفاق أو الخطف، خاصة فاقدي الهوية ومن لا يعرفهم أحد، ولا يعلم إلى أين تذهب الأعضاء المتحصل عليها، فهو دوره يقف عند شخص هو من يتواصل مع الطبيب، ومن المؤكد أن الطبيب مجرد حلقة صغيرة يسهل الاستغناء عنها إذا كشف أمره.

بينما قال عبدالعزيز.م، 32 عامًا، إنه يمثل حلقة الوصل بين الطبيب والمريض، ويعتبر نفسه سمسارًا لا أكثر، معلقًا "أنا بعمل خير، وبنقذ الناس من الفقر"، وأنه لا يجد ضرورة لبعض أعضاء الجسم فهي كثيرة، ويوجد أعضاء يوجد منها اثنان، فهو ليس لديه دخل بأي شيء ولا إثم عليه، هو فقط يقوم بعملية العرض، والمريض يوافق والطبيب يجري العملية، ويختفي من حياة المريض، فهو لم يدفعه للقرار ولم يأخذ منه شيء، أما المال الذي يأخذه حسب قوله "دي نقطة في بحر اللي الدكتور بياخده، واحنا مش لاقيين ناكل".

وأوضح جمال كرم، 19 عامًا، أن والده توفي نتيجة عملية استئصال للكلية من خلال عملية بيع تجارية وليست تبرع، حيث كان فقد عمله في الفترة الأخيرة لتقدم سنه، وكان "جمال" وأخوته لازالوا صغارًا؛ لأن والدته لم تتمكن من الإنجاب إلا في سن متأخرة، وتعرف والده بعد المعاش على رجل لم يذكر اسمه أمام أحد، وكل ما أخبرهم أنه مريض وسيجري عملية جراحية لاستئصال المرارة، وروت والدة "جمال" أنه لم يشكو منها قط، ولم تستفسر لأنها ليست متعلمة، وذهب وقتها والد جمال ولم يعد، ليعرفوا وقتها أنها كانت تجارة أعضاء، ولم يتمكنوا من رفع قضية لصعوبة تحمل أتعاب المحاماة، كما هددها الطبيب بخطف أبنائها.

الدين يجيب

قال محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إنه لا يجوز بيع إنسان لأحد أعضائه لضائقة بقصد الحصول على المال، مشيرًا إلى أن مثل هذا العمل آثم صاحبه وهو باطل، والإثم يقع على البائع والمشتري؛ لأن الأعضاء الآدمية الموقرة أكرم من أن تباع أو تشترى، موجهًا النصح لمثل هؤلاء بقوله: "أقول لمن يبيع أعضائه أن الأموال التي تجلبها من أجل فك الضيق بعد بيع العضو لن يبارك الله عز وجل فيها، وتفتح له أبوابًا من الضرر والابتلاءات"، موضحًا أن الإنسان من العالم المميز لا الجماد، فالإنسان مكرم ولا يجوز تحويله لقطع غيار، فبيع الأعضاء جريمة مركبة، تحول الإنسان من كرامته التي خلقه الله عليها إلى أشياء تتملك لها مقابل.

وأردف "مختار" أنه يجوز التبرع بالأعضاء، ولكن بشروط، لنقلها سواء من شخص حي أو متوفى، وتتمثل في ألا تكون مقابل الحصول على مال، لأن الإنسان أكرم من أن تتحول جسده لسلعة، وحتى لا تتولد تجارة الأعضاء البشرية، ويجب التحقق من أن الشخص توفي بشهادة الأطباء، فإنه يُعَدُّ موتًا حقيقيًّا يجوز بعده نقل الأعضاء من الميت إلى الحي؛ لأن مصلحة الحي مقدمة على مصلحة الميت، فالإنسان الحي يقيم شرع الله ودينه لتستمر الخلافة في الأرض ويعبد الله، أما أخذ عضو من الحي إلى الحي لإنقاذه من هلاك محقق ولكن بشرط عدم وجود طريقة أخرى غيرها.

وقال محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، كرم الله الإنسان وجهزه بجسم لايزال العلم يكشف كل يوم أسراره، وجعل الله لكل جزء من البدن وظيفة، فليس هناك  أعضاء زائدة أو غير مفيدة، وتضافرت أدلة الشريعة القاطعة على تأكيد حرمة جسد الإنسان، والآيات والأحاديث وفيرة في تجريم هذا العدوان سواء بإتلاف النفس كاملة بالقتل أو الإيذاء الجسدي بمختلف درجاته، ولم يكتف الشرع فنهى عن الانقطاع وإرهاق البدن بالمبالغة في العبادة مثل وصال الصيام وصيام الدهر، مضيفًا أن المتاجرة بالأعضاء البشرية حرام شرعاً؛ فهذه الأعضاء ليست ملكاً للإنسان ولم يؤذن له في بيعها ولا يفاوض عليها أو يحصل على مقابل مادي، فكان بيعها داخلاً في بيع ما لا يملكه ويشترط للبيع الصحيح أن يكون البائع مالكاً للبيع، مكملًا أن التبرع  فقط  جائزًا مادام لإنقاذ حياة إنسان في حال لم يترتب على ذلك وقوع أي أضرار على المتبرع أو حياته، فهذه الظاهرة تعد انحطاطًا أخلاقيًا.



إرسال تعليق

أحدث أقدم