أنس محمد: جرح
"الدار" لوجهه منعه العمل.. واثنين قصر من زملائه يقررون الزواج
رغد لا تعلم اسم
والدها.. ورقية تتذكر ملامحه بصعوبة
أستاذ الطب
النفسي: الأطفال تخضع إلى منظومة عقابية تتناسب مع أعمارهم
كتبت نورا علاء، وندى سمير، ومرام أحمد
تجدهم أينما ذهب، أطفال الشوارع
قضية لم تختف من مصر بعد، أطفال بلا مأوى، يجتمعون في عصابات مع بعضهم البعض بقيادة
فرد منهم، أو بقيادة أطفال آخرين عاشوا نفس المأساة، تجربة اجتماعية ينقلونها جيل
بعد جيل، في حلقة مفرغة تجر وراءها العديد من المشكلات التي راحت تأكل جسد المجتمع
المصري، فما هي قصتهم وكيف يعيشون؟، في جولة لـ"طيف" يعرض أبرز ما يتعلق
بمشكلة أطفال الشوارع.
فقدوا الطفولة
في جولة داخل شوارع الدقي
والمهندسين، وجدنا "أنس محمد"، 14 عامًا، يعمل بالشحاذة منذ عامين، هاربًا
من إحدى دور الأيتام، لما لاقاه من عنف في المعاملة كالضرب والسب، وتسببت له الدار
في العديد من الكدمات والجروح عمدًا وبغير عمد، وكان معه اثنين من أصحابه، وبدأوا
بالعمل معًا في منطقة "الدقي" كل منهم يأخذ مكان مختلف، واختاروا تلك
المنطقة لأنها أكثر ثراءًا عن غيرها، ويقوم أصحاب السيارات بإعطائهم المال بسهولة،
فضلًا عن طلاب الكليات خاصة وقت الامتحانات، وتعرفوا خلال تلك الفترة على أولاد
آخرين وفتيات، وينامون جميعهم أسفل الكوبري أو داخل الشوارع الصغيرة.
وجد "أنس" اثنين من
زملائه ولد وفتاة يتفقون على الزواج من بعضهم عندما يكبرون، وتطور الأمر ليقرروا
الزواج الآن، وأصبح يعتبرها زوجته ولا يجرؤ أحد على الحديث معها، كما قام العديد
من زملائه بامتهان السرقة وبرعوا بها، ولكنه حاول العمل في الكثير من المحلات، لكن
أصحابها رفضوا وشكوا أنه قد يسرقهم نتيجة وجود جرح في وجهه، فيعتقدوا أنه مشاغب
ولا يؤتمن على العمل.
فلا تتذكر رغد، 8 أعوام، اسم والدها
جيدًا، وعندما سألناها عن السبب أجابت أنه هناك سيدة أخذتها وهي صغيرة، وتناديها
بـ"ماما"، ولكنها تشكو من قسوتها عليها وضربها بصفة مستمرة، خاصة عندما
تفشل في جمع المال من المارة وتحرمها الطعام، وعندما تجمعه تعطيها بعضه، وفي
الشتاء تلتف "رغد" داخل سترة قديمة لا تعلم مصدرها، فكل ما تعرفه ما
تخبرها به أمها.
فيما هرب محمد كمال، 15 عامًا، من
زوجة والده عندما توفي، أو بمعنى أخر طردته أكثر من مرة وكان يعود، وكانت دائمًا توبخه
وتضربه، لاجئًا إلى العمل بالقمامة، فيجمعها ويبيع ما يتمكن من بيعه، ويأكل منها،
ذاكرًا أنه عانى من العديد من الجروح التي تصيبيه نتيجة قطع الزجاج أو المعدن، ولا
يحرص الناس على تغليفها، قائلًا وهو يبكي "أتمنى أبويا يرجع تاني".
لا تعلم "رقية عبودة"، كم
عمرها، وتبدو في مقتبل العشرينات، اختطفت من أهلها وهي صغيرة، وتمكنت من الهرب ممن
خطفوها، ولم تتمكن من العودة إلى المنزل، فكانت في منطقة لا تعرفها، وساعدها
العديد من الناس بالطعام والملبس والنقود أوقات أخرى، حتى أجهشت في البكاء من
تعرضها إلى العديد من المضايقات من رجال لا تعرفهم، ولضعف جسدها لم تتمكن من
الدفاع عن نفسها، ولم تتمكن من تحرير محضر لعدم امتلاك بطاقة، فهي تعيش لا تعرف
سوى اسمها واسم والدها، وملامح والديها تتذكرها بصعوبة شديدة.
تعمل "رقية"، في أعمال
مختلفة، فأوقات تقوم بتنظيف سلالم العمارات، وأوقات أخرى في الشحاذة، وجمع
القمامة، أو البيع في المحلات، وتتمنى أن تجد والديها ويقبلوها على حالها، فهي
كانت ضحية الحياة، ولا تعرف من تلوم، منهية حديثها أنها تتمنى أن يتم أخذ خطوات
لمساعدتهم فحياتهم صعبة ويوجد بها أسرار لا يمكن البوح بها.
حلال أم حرام؟
هؤلاء الأطفال قضية شائكة، كما أوضح
عبدالله أنس، شيخ أزهري، فيجب على المؤسسات المعنية برعاية هؤلاء الأطفال تعليمهم
أصول الدين وفقًا لديانتهم، ومادام عرفوا أساسيات الدين وجب عليهم تطبيقها، مؤكدًا
أهمية اتباع خطوات بسيطة أهمها الصلاة، مستعينًا بقوله تعالى "إن الصلاة تنهى
عن الفحشاء والمنكر"، وهؤلاء الأطفال لازالوا دون سن المحاسبة، ولكن الدين
أمر ضمن نطاق التربية ضرورة وجود الثواب والعقاب، فلابد أن يخضعوا لعقاب وفقًا
للإطار القانوني الذي تضعه الدولة، كما توجد خطورة في بقائهم هكذا فهذا يعني جيلًا
جديدًا يحمل مشكلات أخلاقية مزمنة يصعب التخلص منها، وستعوق تقدم المجتمع، وتولد
مشاعر سلبية بين فئاته؛ وبالتالي سيشك الرجل في صدق السائل عند الصدقة، فيمتنع عن
المستحق والكاذب لاختلاط الأمر عليه.
القانون يرد
بينما أفاد عمادالدين حسين، محامٍ
بالنقض، أن هؤلاء الأطفال داخل مجتمع يحكمه القانون، وبالتالي يخضعون إلى القانون
كبقية فئات المجتمع، مع تخصيص عقوبات مخففة للأطفال دون السن القانوني، ويتم إيداعهم
داخل دور رعاية تتولى مسئولية تهذيب السلوك، وبعد انقضاء مدة العقاب يتوقع أن يكون
الطفل قادر على التعامل مع المجتمع بشكل سليم، ولكن هذا لا يحدث نتيجة وجود مشكلات
بدور الرعاية تتمثل في طريقة التعامل والنسق الذي يوضع به الطفل، متابعًا أنه في
حالة إيجاد طفل ما يشتبه في تشغيله من أحد الخاطفين، أو طفل يتعرض إلى العنف بكافة
أشكاله الجسدية والنفسية فلابد من الاتصال بـ16000، وهو الرقم المخصص لنجدة الطفل،
ويتم الإبلاغ عن العنوان وتقوم السلطات المعنية بالتحقيق في الأمر واتخاذ
الإجراءات اللازمة وفقًا للواقعة.
وأضاف أيمن عطالله، رئيس مجلس إدارة شركة الافوكاتو للمعلومات القانونية، أنه حتى الآن لا توجد أي منظومة في مصر للتعامل مع أطفال الشوارع، وللتعامل معهم يجب معرفة ماهيتهم، فهم ناتجين عن الانشقاق الأسري، والدولة لا يوجد لديها قانون يسمح بنزع الطفل من الأسرة لكي تقومه الدولة، ويوجد الكثير من دور الرعاية، لكن الأطفال تهرب منها، لتعودهم على الشارع، فيجب تأهيل دور الرعاية لتحبيب الأطفال وتنمية مهاراتهم.
وتابع "أيمن" أن الدستور المصري والاتفاقيات الدولية التي وقعت مصر عليها تقول إن سن الطفولة ينتهي عند 18 سنة، لكن يتم معاقبة الطفل إذا كان أقل من 18 سنة بقانون الأحداث، فيوجد حبس لمدة لا تتجاوز العشر سنوات في حالة الجرائم الجنائية وما شابه ذلك، لكن لا يحكم عليه بأشغال شاقة مؤبدة أو يحكم عليه بالإعدام، أما بعد 18 سنة فيعاقب قانونيًا وفقًا للأحكام الطبيعية، كما تم وضع قانون الطفل منذ فترة، وتحاول وزارة التضامن الاجتماعي بقدر الإمكان حل هذه المشكلة، وتقوم بحمايتهم من الإتجار بالبشر من خلال قانون العقوبات، مؤكدًا ضرورة التعاون الشعبي بالاتصال بـ16000 لنجدة الطفل في حالة تعرضه للعنف من المواطنين أو الدولة.
كيف تحول طفلًا إلى مجرم؟
وصف جمال فرويز، طبيب نفسي، أن الأطفال خلال مرحلة الطفولة تكون أكبر فرصة لزرع المبادئ والقيم الأساسية التي تفيد أو تهدم المجتمع، وتعرض الطفل إلى الشارع وما يشاهده من صعاب تبدأ تتكون لديه خبرات خاطئة عن العالم الخارجي، ويكتسب مهارات دون سنه، ومع اكتمال الإدراك العقلي يبدأ في استيعاب الفرق بينه وبين الأطفال الآخرين في سنه ممن لهم مأوى، وتتكون لديه ضغينة تجاه المجتمع، ولدور الأيتام ودور الرعاية الحكومية والمدنية أهمية خاصة تعتمد على الأخصائي النفسي، فيتحمل متابعة سلوك كافة الأطفال وتقويمها بالطرق السليمة، وتوجيه طاقته نحو ما هو مفيد، وعند غياب هذا تتكون لدى الطفل كراهية تجاه المجتمع، ويتحول إلى طاقة هدامة حاملة لكافة أنواع الجرائم.
