وطن يلتهمه النيران.. الحرب تدخل مرحلة اللاعودة.. والقوات تنتقم من المواطنين

 

سودانيون أجبروا على ترك الوطن.. وآخرون تحت الوسادة يضعون سكين

الدعم السريع تغتصب 145سيدة وطفلة.. وتتمكن من السيطرة على 4 ولايات كاملة

كتبت نورا علاء، رحمة سعيد، مرام أحمد

بعد عدة محاولات من فريق "طيف" من التواصل مع عدد من السودانيين في وطنهم الأم عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي باءت أغلبها بالفشل نظرًا لانقطاع الإنترنت عنهم، وتفاقم أزمات التواصل الإلكتروني مع استمرار الحرب، واتجهت محاولاتنا بالبحث عن مناطق في محيط محافظتي الجيزة والقاهرة يتمركز بها السودانيين المهاجرين تزامنًا مع الحرب وعلى فترات متفاوتة منذ اندلاعها ليرووا تفاصيل ما مروا به في السودان.

شعرت أميمة بلال، 36 عامًا، سودانية مهاجرة منذ بداية الحرب، بخطورة الموقف منذ بداية الصراع حتى قبل احتدامه لمعرفتهم بقوة وعتاد ميليشيات الدعم السريع، غرباء مرتزقين أتوا من أكثر المناطق جوعًا ووحشية من أفريقيا، مطرودين ومجرمين هاربين من أراضيهم، جمعهم "حميدتي"، الوحش الذي ترعرع على يد الحكومة كبر وألتهم الوطن، وبعد أقل من شهر منذ الهجرة انقطع التواصل بيننا وبين أهالينا في السودان، فلم تستطع جميع العائلات الهجرة دفعة واحدة لتكاليف السفر.

والد سماح محمدي، 20 عامًا، سودانية، هربها مع مجموعة من النساء والأطفال عبر عصابة أخذت أموال ضخمة رفض والدها الإفصاح عنها، هربت هي ووالدتها إلى الحدود المصرية حاملين معهم فقط حقائب ملابسهم والقليل من المال يكفي فقط لشراء طعام يومين، وانقطعت أخبار والدها منذ ذلك الحين.

لم تختار صفاء إسماعيل، 53 عامًا، الرحيل، واصفة "هاجرنا قبل أن تلتهمنا نيران الغرباء، ممن طمعوا في خيرنا"، وأنها أفضل حظًا من الباقي فلازالت تتواصل مع بقية أهلها في السودان، قائلة إن الوضع هناك سيئًا جدًا، فالبعض يحاول العمل لكسب المال لشراء الطعام، وانتشر الذعر بين المواطنين لشراء السلع وتخزينها؛ مما دفع التجار على المغالاة في السعر، والبعض الأخر يحول أمواله إلى ذهب أو العكس ويبحث عن أشخاص يقومون بتهريبهم دون أن تلحق به جنود الدعم السريع، والكثير هاجر من أماكن الاشتباك إلى أماكن أخرى، وهكذا يتوالى فرارهم داخل أرجاء السودان.

لا تعتقد صفاء أن الجيش سيصمد أمام الميليشيات لكثرة عددها وقوة عتادها، وأنها تشعر أنهم حققوا نجاحات كبيرة فلم تسمع عن إنجازات الحكومة من أهاليها بالوطن حتى الآن، إلا أن دعواتها تدعم جيش السودان، فأصبح الجيش يجند الكثير مقابل تجنيد الميليشيات مزيدًا من الأبناء قصرًا، وليس للدفاع عن الوطن، منهية حديثها أنه لا حق لغريب في حكم أرضها، والحق سينتصر، راجية ألا يطول الفراق.

نزحت سيرين القيسوني، سودانية من مدينة ود مدني، إلى مصر عندما قامت الحرب في ولايتها عن طريق التهريب، فشردوا المواطنين، وانتهكوا الخصوصيات وضرب عشوائي بالرصاص سقط بسببه العديد من الضحايا، ودخلوا البيوت سرقوا العربات وممتلكات المواطنين واغتصبوا النساء، مضيفة أن القوات حاصرت شقيقها في المنزل لمدة ثلاث ساعات، وأجلسته على الأرض مع التهديد بالقتل حتى سرقوا المنزل بأكمله، وكأنه لا يوجد جيش نهائيًا بالمدينة وكانوا يأكلون من دقيق البيت الذي صنعوا من خبز "القراصة".

وصفت ماجدة عبيد، 38 عامًا، أن ما يشهده السودان ليست حربًا، بل هو أقرب لإطلاق وحوش على طفل صغير، فهي أم لخمسة أولاد أكبرهم 18 عامًا، مات زوجها وهى المسؤولة عنهم، ومنذ بداية الحرب أصبح الخروج من منزلها صعبًا، وأكملت باكية أن ما كان يسعدها صار يرعبها، فأولادها جميعهم بنات كما كانوا يأنسون الدار بضحكاتهم صارت تخفيهم وقامت بتهريبهم لبيت عائلة زوجها خوفًا من أن يتم اغتصابهم، أما هي فتنام وتحت وسادتها سكين، وأصبحت في حيرة أيهم أرحم الموت أم انتظار مصير السودان ومعايشة أحداث الحرب.

تركت ماجدة السودان ليس باختيار متاح لها، فقد انتهى الأمر وقامت قوات الدعم السريع بالسيطرة على القرية، لا يوجد جيش لا يوجد قانون لا يوجد مال، فقط تجمع الأهالي للمساعدة، وأنها لا تنسى اليوم الذي اقتحم فيه قوات الدعم السريع للقرية وهى تصلي، واصفة له "كأن القيامة قامت يا ربي" فجأة انطلاق صراخ وطلقات نارية وتعالت أصوات الناس، وقفت مكانها لم تعلم أتكمل وتموت شهيدة أم تهرب، حتى جاء القرار خارجًا عنها لدخول القوات المنزل بعد كسر الباب وقاموا بتكبيلها وسرقة كل ما يمكن حمله، قائلة "لو كانوا يقدرون على نزع المنزل من الأرض لكانوا".

آراء الخبراء في الحرب السودانية

أفاد نبيل نجم، خبير الشؤون الأفريقية، أن الحروب لا توجد بها قواعد، فهي أكبر من حصرها في قوات الدعم السريع، فالحرب بدأت بسبب وجود نظام الجبهة الإسلامية وتمسكه بالحكم عام 1989 منذ انقلاب على أخر حكومة منتخبة شرعية، وهي حكومة الصادق المهدي، وهذا النظام الذي انقلب على الحكومة الشرعية قام على محورين أساسيين محور كشوف الصالح العام ومحور التنكيل، نتيجة هذين المحورين أنهما افرغا المؤسسات السودانية كلها من أي سوداني  لا ينتمي إلى الجبهة الإسلامية، وقام بإحلالهم بمواطنين سودانيين إما يؤمنون بأفكار الجبهة الإسلامية، أو موالون لها، أي سقوط رأس النظام لم يعني سقوط النظام في كل مراكز الثروة التي تشكلت على مدار ٣٠ عامًا، والخطأ الأكبر أن القوة المدنية لم تنتبه لهذه الحقيقة.

السودان في مرحلة غاية الخطورة، هكذا وصفه نجم، فالحرب بدأت في ١٥ إبريل حيث اقتربوا من العام، وهناك حالة من الدمار الكامل بالعاصمة الخرطوم وعدد من المدن المهمة في الغرب والوسط وتهجير ما لا يقل عن ٩ مليون سوداني من نازحين داخل البلد وخارجها وقتلى وجرحى  بعشرات الآلاف، وتدمير ٩٠٪ من المستشفيات وحالة من الترويع الكامل لشعب السودان، إضافة لوجود فارق بين الجيش والميليشيات، فالميليشيات نجح "حميدتي" باتصالاته الإقليمية أن يرفع كفاءة قوات الدعم السريع، واتضحت كفاءتهم العسكرية في السيطرة على أجزاء كبيرة من السودان، فكما يقول شهود عيان سودانيون أنه يسيطر على ٨٠٪ من العاصمة "الخرطوم".

أوضح محمد نجدلله، المسئول عن تنسيق المنظمات بالسودان، أن السودان في انزلاق لفوضى الصوملة ومع التعدد القبلي وما يشهده الإقليم من صراعات جيوساسية واقتصادية، فإن الأزمة مرشحة للانتقال لمنعطف اللاعودة ووصول السودان إلى سلام مرتبط ارتباطًا طرديًا بتحقيق أشواق جماهيره في نظام ديمقراطي مستقر، فما يجري اليوم ما هو إلا تداعيات سنوات من الفشل في إدارة التعدد والتداول السلمي للسلطة، مؤكدًا مساهمة سياسات المجموعات المتشددة يميناً كجماعة الاخوان و يساراً كبعض الحركات الشيوعية بنسب متفاوتة في تعميق جذور الأزمة وانفصال الجنوب ليس ببعيد عنهم،  معتقدًا أن الكونفدرالية الجزئية أو الموسعة قد تكون أسلم طريق إذا ما اجمعت القوى المدنية وأصدقاء السودان على تحقيق السلام و نبذ العنف.

وتابع "نجدالله" أن الحرب هي الحرب، والحروب في أفريقيا دائما أكثر وحشية وأقل إنسانية كما كانت في راوندا وبورندي أو ليبيا أو حتى ما شهدته أطول حروب أفريقيا في جنوب السودان وبعدها دارفور، لقد شهد العالم على ما كان يحدث في هوامش السودان بمباركة الدولة وقواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية طوال ٣٠ عامًا من حكم الاخوان وبأيدي الجنجويد ومن ثم أمراء الحرب وصولًا للدعم السريع وهيئة عمليات جهاز المخابرات ومكتب العمل الخاص الإخواني.

الوضع الآن في السودان معقد، بوصف من أمية يوسف، مدير المركز السوداني لحقوق الإنسان، لتمكن قوات الدعم السريع أصبحت من السيطرة على السودان الغربية تمامًا أي على حوالي خمس ولايات، فكانت قوات الدعم السريع مسيطرة على العاصمة وكانوا ينتظرون انتصار الانقلاب على القوات المسلحة، متابعًا أنه ما يحدث في السودان الآن هو ليس الحرب وإنما انتقام من المواطنين السودانيين، وما تفعله الميلشيات هي اقتحام بيوت المواطنين واغتصابهم، فتم اغتصاب حوالي 145 سيدة سودانية كانتقام وتخويف لبقية المناطق التي ستدخلها القوات، فتجاوزت الميليشيات كل الخطوط الحمراء وهناك تعمد واضح ضد المدنيين، ولكن هجرة السودانيين ساعدت في إضعاف الحراك الشعبي ضد الميليشيات.



إرسال تعليق

أحدث أقدم