على نهج الأجداد.. الأحفاد يبقون على الصناعات اليدوية رغم مرور آلاف السنوات

سمير: استخدام جلود حيوانات القمامة يسبب السرطان.. ونقل المدابغ لـ"الروبيكي" ظلم للعمال

شعراوي: الدباغة بدأت من الفراعنة.. ومصطفى: تتميز مصر بعملية "البرشمة"

عاملة بالغزل اليدوي: المهنة تواجه ندرة الأيدي المدربة

نجار: التكنولوجيا وفرت الوقت ولم تقتل الإبداع.. والمنتجات اليدوية أفضل

كتب: مريم جهاد، عبد الرحمن محمود، رحمة سعيد، عبد الرحمن أحمد

اشتهر المصري القديم بالحرف اليدوية والصناعات الفنية كصناعة المشغولات الخزفية والمنتجات الزجاجية، لذلك عادةً ما ينتهج أحفادهم مسارهم؛ للبقاء على ما تبقى من إرثهم الحضاري، كالحرف التراثية التي تعبر عن هوية المصري القديم؛ حيث تمتلئ القاهرة بالعديد من الورش القديمة المتوارثة أبًا عن جد منذ قديم الأزل، ولكن تتعدد التحديات في الوقت الحالي أمام صُناع الحرف اليدوية، كالعائق المادي وضعف التسويق إلى جانب الرسوم، مما ينعكس في الأخير على أسعار المنتجات، ورغم ذلك تزخر شتى بقاع الجمهورية بالحرف اليدوية المتنوعة.

موهبتهم مدفونة

يصعب على محمد سمير، صاحب مدبغة تراثية بمنطقة سور مجرى العيون، الانتقال من المدبغة إلى "الروبيكي"؛ حيث نقلت الدولة كل المدابغ هناك؛ معللًا ذلك بأن أولاده أحق بالمال الذي ينفق ذهابًا وإيابًا في المواصلات، مفضلًا البقاء بالقرب من أولاده، مضيفًا أن مصاعب المدابغ تتمثل في ظلم العمالة لقلة العائد المادي، ولصعوبة وضعهم الاقتصادي، وموهبتهم المدفونة، فهناك عمال ممتازون يتمنون خدمة وطنهم؛ لكنهم معدومين؛ فترك معظمهم المهنة، ونتيجةً لذلك صغرت فئة الحرفيين والصناع الموهوبين في مصر، مكملًا أن هناك غش كبير في المهنة وبجودة وخامات الجلود المُستخدمة، كاستخدام جلود الحيوانات التي تعيش على المخلفات؛ مما يصيبها بسرطان وتلقى مصرعها، موضحًا أن العرب هم الأكثر طلبًا لمنتجاته عن المصريين؛ الذين يرون أن أسعاره مبالغ فيها.

لدباغة جلد المواشي مراحل متعددة، كما أوضحها محمود شعراوي، عامل بمدبغة، تبدأ بذبح الماشية وسلخها، ثم تمليح جلدها، ومن ثم تركها في الشمس لمدة 3 أيام؛ حتى لا تصيبها الديدان، وأخيرًا تُصنع منها الأحذية والمحافظ والسجاد، مضيفًا أن لجلد الخروف مكانة خاصة؛ حيث يستخدم في صناعة "الجاكيت"، وأن مراحله أصعب، حيث يتم وضعه في براميل ماء، ثم يتم كبسه، ثم التحضير والشد، ثم الصدارة، ثم آخر مرحلة وهي الصباغة، مفيدًا أن طريقة القدماء المصريين تتمثل بداية في تحنيط الحيوانات ثم وضع المسامير على أطراف الجلد مع الدق على الخشب، وأن الدباغة كانت بالماضي يدوية، أما الآن فبالآلات الحديثة مع استخدام المكابس وإضافة الجلد على تصميمات الإسمنت، مكملًا أنه توارث المهنة عن أجداده، ويعمل بالدباغة منذ عمر 10 سنين.

من الاقتصاد إلى الحدادة

لم تكن طريقة دخول أحمد مصطفى، حداد منذ أكثر من 25 عامًا، للحرفة تقليدية؛ حيث تخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكانت بداية عمله بالحدادة في ورشة والده؛ فاقتصرت مراهقته على الدراسة بالجامعة ومساعدة والده بورشته، مضيفًا أنه لم يكن شغوفًا بالحدادة في البداية، ثم تغيرت عقليته بعد التخرج؛ ليفضل العمل في مهنة حرفية قد تعلمها منذ نعومة أظفاره، وصار يبرع فيها عن العمل في مجال تخصصه الجامعي، معتقدًا أن مهنة الحدادة بدأت في العصور القديمة عندما اقتصر تشكيل الحديد على النار والسحب والطرق فقط؛ لتصنيع الأسلحة والدروع وأحيانًا الحُلي، مكملًا أن العصر الذهبي لمهنة الحدادة هو العصر الحديث، حتى ما قبل دخول الآلات التكنولوجية المتطورة؛ حيث تميزت الحدادة في مصر حينئذ بعملية "البرشمة" أو لحام الحديد ببعضه من خلال المسامير، فكانت تأخذ وقتًا أطول من الآن، ولكنها كانت أكثر دقة وإتقانًا.

 وأضاف «مصطفى»، أن الحدادين المحترفين في المشغولات اليدوية  قليلون في الوقت الحالي؛ رغم تهافت الأماكن الراقية كالمتاحف والمجمعات التجارية الضخمة عليهم، وبأجور مرتفعة، معلقًا أن صناعة الحدادة عكس ما يظهر منها؛ حيث تحتاج إلى الرفق والتأني عند العمل والانتباه لأدق التفاصيل؛ لذلك أحرص على تعيين عُمال مهرة ينتمون إلى فئة سنية كبيرة،؛ لأنهم ينتبهون كثيرًا إلى أدق التفاصيل، كما أحرص على تمرير مهنة الحدادة إلى الجيل الجديد؛ بتعليم الشباب المجتهد، ممن يعملون في الورش والمصانع؛ ليصبحوا ترس العجلة الجديد.

 الحفاظ على التراث المصري

علقت نصرة حسن، صناعة النسيج اليدوي بالنول الخشب، أن " النول الخشبي هو آلة من آلات النسيج  اليدوية ١٠٠%، التي تتكون من إطار خشبي، ومنها يكون ببرواز مثبت عليه مسامير بمسافات مختلفة، مضيفةً أنها كانت هوايتها منذ الصغر، وأن فكرة عملها جاءت عندما رأت النول الخشب بشكله القديم؛ حيث كانت أغلب البيوت المصرية بثمانينات القرن الماضي تقوم بتجميع الملابس القديمة وتحويلها إلى شرائط من الأقمشة، ومن ثم إرسالها  لعمال النسيج؛ لتحويلها إلى قطع منسوجة باستخدام خيوط السدى واللحمة، فتحولت الحرفة إلي تجميع خيوط الكليم من المصانع -بقايا المصانع من الأقمشة- وتحويلها منسوجات، وذلك على أنوال أكثر حداثة في الاستخدام، وبعدد عمال أكبر؛ لقطع إنتاج أكثر، قائلةً: "بدأت أعلم نفسي الحرفة من البداية خطوة بخطوة، وبدأت تصنيع قطع منسوجات مفارش وتحويلها إلى منتجات مختلفة".

وأضافت «نصرة»، أن التقدم التكنولوجي في حرفتها اليدوية يقتصر على توسيع دائرة المعارف؛ بالمتابعة لكل ما يخص النسيج اليدوي في دول العالم، موضحةً أن صعوبات حرفتها تتمثل في الأيدي العاملة المدربة علي النسيج اليدوي؛ ولتتغلب على ذلك تقوم بتوسيع  دائرتها المعرفية بشتى الطرق، مقررةً عام 2020 باتخاذ مقر تدريبي؛ لتدريب المبتدئين على صناعة النسيج باستخدام النول الخشب اليدوي، مختتمةً بعزمها على أن تكون لها خطة مستقبلية؛ للحفاظ علي تراث النسيج اليدوي المعبر عن الهوية المصرية وتاريخها القديم لصناعاته.

نجار أبً عن جد

ورث محمد رضا، نجار منذ أكثر من 30 عامًا، المهنة عن والده وجده، إن العمل قديماً كان يدويًا؛ حيث لم يكن هناك أي ماكينات، وكان تقطيع الخشب يقتصر على المنشار فحسب؛ حيث كان يقف اثنين أمام بعضهم ويمسك كل منهم بطرف من المنشار، فكان العمل مرهق للغاية ويحتاج إلى جهد كبير، مكملًا أن العمل تطور تدريجيًا، فأصبح هناك ماكينات لتقطيع الخشب وتطور في المهنة بوجه عام، مضيفًا أنه يحاول التوفير في أسعار الخامات على حسب طلب الزبون، بعمل أفضل خامة بأقل سعر؛ حتي لا يتجه الزبون إلى "الشغل" الجاهز، مشيرًا إلى أن العمل اليدوي أفضل من "الشغل" الجاهز كثيرًا.
















إرسال تعليق

أحدث أقدم