ميكانيكي: مديري أجبرني على ترك التعليم.. ومجدي:
استخدامي للماء المغلي وماء النار والكلور يعرضني إلى الخطر
صبي جزار: راتبي 100 جنيه في الأسبوع.. وصاحب
العمل كثير الخصم
كتب: مريم جهاد، عبدالرحمن أحمد، رحمة سعيد،
عبدالرحمن محمود، نورا علاء
في ظل غلاء الأسعار وارتفاع
المعيشة يلجأ الشباب إلى مواجهة الظروف الاقتصادية في رحلة البحث عن عمل مهما كان
بسيطًا ليدعمه هو وأسرته ماديًا، لاجئًا إلى الورش البسيطة، متحملًا تعسف أصحابها
ومعاملتهم غير الآدمية والعمل لساعات طويلة برواتب رمزية، مع تعريض حياته إلى الخطر
في سبيل البحث عن "ملاليم" وذلك ما يعرف بـ"شغل العبيد".
مصلحو السيارات..
وضع الورش صعب للغاية
لجأ فتحي محمد، ١٩ عامًا،
عامل في ورشة ميكانيكا، إلى العمل كونه أكبر أخوته فيعول أسرته بعد وفاة والده؛ ليكملوا
مراحل تعليمهم، بينما تركه هو منذ الإعدادية، وفقًا لأوامر صاحب الورشة "يا
شغل يا تعليم"، معلقًا " عشان ميتمرمطوش زيي"، أما عن صاحب العمل
فهو تارة يعامله بوِد وتارة يتعرض للسب منه، مع شعوره الدائم بالخوف منه لكثرة
الخصم والانفعال عليه، مُشيرًا إلى أن كرهه لعمله قائلًا "طبيعي مين هيحب
المرمطة دي"، أما عن راتبه بعد 10 ساعات عمل فهو يقضي أغراض الطعام والشراب،
وإذا تبقى شيء فهو لأخوته.
أما مجدي عماد، 24 عامًا، غير
متعلم يعمل في ورشة لميكانيكا السيارات في "غمرة" منذ 5 سنوات، يواجه
ظروف صعبة، حيث يعمل لمدة 12 ساعة يوميًا دون استراحة، مقابل أجر يبلغ 100 جنيهًا،
لا يكفي تلبية احتياجاته اليومية، وأنه لا يعرف الطموح كغيره من الشباب والزواج،
مكملًا أنه يعمل بورشة، ويختص في فك وتركيب "الرادياتير"، وهو الجزء
المسؤول عن تبريد محرك السيارة، ويواجه يوميًا خطر الحروق من الماء المغلي الذي
يتعامل معه في العمل، وأنه مجبرًا على تنظيف أماكن عمله باستخدام "ماية
النار" أو الكلور، مما يجعل عينيه ورئتيه عرضة إلى التلف على المدى الطويل.
وأكمل "مجدي" أنه
بالرغم من الظروف الصعبة التي يواجهها، إلا أنه يعمل بإخلاص لتأمين لقمة العيش، أجبر
على ذلك لانفصال أبويه منذ مدة طويلة، مضيفًا أن واقع العمال في الورش الصناعية في
مصر مؤلم، ويستدعي من الجهات المسؤولة اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين ظروف العمل
وضمان سلامة العمال في هذا القطاع الحيوي، الذي يرتكز بأكمله على الأعمال الحرة
الخاصة.
ملاليم وغير ثابتة
ومصطفى عادل، ٢١عامًا، عامل
في جزارة منذ 5 سنوات، ليعيل نفسه وأهله وتعليمه وبيته، فكثيرًا ما يتعرض إلى العنف
من صاحب المحل، قائلًا "بيزعقلي لو في حاجة غلط"، إلى جانب أنه عنيف في
الخصم فينقص من رواتبهم بشكل ضخم ومبالغ كبيرة، مما جعل راتبه ليس بثابت، فأحيانًا
يتلقى ٦٠٠ جنيه في الأسبوع، وأحيانًا ١٠٠، وأوقات أخرى في نهاية الشهر لا يتعدى
الراتب ٢٥٠٠، ، ذاكرًا عدم حبه لتلك الوظيفة، لكنه اعتاد عليها وأتقنها، أن وهذا بخس
جدًا، موضحًا بأنه مازال حارصًا على إكمال دراسته، لكن صاحب العمل يرفض ويفتعل
المشاكل خلال فترة الامتحانات، وأنه يحسن معاملته ليتجنب سوء أفعاله.
تتقاضي
صفية شعبان، ممرضة بمعهد ناصر، 400 جنيه في وردية العمل "شيفت"،
وأحيانًا تأخذ أكثر من شيفت في اليوم، كما رصدها فريق "طيف" أكثر من مرة
تأخذ أموال من أهالي المرضى؛ ظنًا منهم أن حالتها الاقتصادية سيئة، معلقة أنها
تصرف نصفهم مواصلات، وأنكرت أخذ مال من أي مريض، مضيفة أنها تعمل فوق الـ 9 ساعات
يوميًا ما بين غرف المرضى وغرف الرعاية المركزة.
شاي بالياسمين
وعقبت "صفية" أنها
تمرض بسبب كثرة العمل، ولا تأخذ راحة سوى نصف ساعة في "الشيفت كله" بسبب
ضغط الحالات، وأن هناك حالات قد تتسبب لها في العدوى هي وأهلها، مضيفة أن رئيستها
كثيرة الخصم سواء عند التأخير أو عند أي تقصير بسيط، وفي حديثنا مع أحد أبناء
مريضة بالمستشفى حول إعطائهم مال للممرضة، رد قائلًا "عشان تهتم بأمي
وبراضيها يمكن ربنا يراضيني"، وأنه يعلم أن راتبها قد يفوق راتبه الخاص ويعمل
أكثر منها، فهو عامل توصيل في أحد المطاعم ومصروفاته أكثر منها، فهو متكفل بأسرته،
إلا أنه مضطر حتى تحرص على والدته.
تروي زينات أحمد، 45 عامًا،
أنها منذ أن أدركت الحياة وهي تجد والديها كلما اقتضى بهم الحال إلى المصالح
الحكومية والخاصة ينفقون أضعاف المبالغ التي يحتاجونها، وكان أبواها يضحكان قائلين
إنه "شاي بالياسمين"، إلى أن كبرت وعرفت أنه مسمى غير واضح للرشى، ورفضت
في بادئ الأمر التعامل بتلك الطريقة، إلا أنها كانت تتردد عشرات المرات لتقضي
غرضها، حتى كانت تضطر إلى دفع رشوة.
العمل بالنسبة إلى طارق فودة، ممرض بإحدى المستشفيات الحكومية، لا
يضمن مستوى اقتصادي جيد، نظرًا لضعف الراتب، مضطرًا إلى العيش على ما يسميه
"مساعدة الآخرين"، مؤكدًا خلوها من الشكوك حول كونها رشوة، فهو بها أو
من دونها يقوم بقضاء عمله على أكمل وجه، وعند سؤال أسر المرضى الذين يتابعهم
"طارق" أكدوا قيامه بعمله، ولكن دون ضمير، فأوقات يقوم بالتعامل بصورة صارمة
وعنيفة مع المرضى، ويضطرون إلى دفع المال حتة يستوصي بهم.
أوضحت هبة علي، استشاري الطب
النفسي والتربوي، أن معاملة أصحاب العمل لعمالهم بطريقة سيئة، قد تنعكس على تطورهم
النفسي، التي تعزز الشعور بقلة الاحترام لذاته، وقد تسبب القلق والاكتئاب، ويمكن
أن تؤثر هذه السلوكيات السلبية على علاقتهم بالآخرين وعلى قدرتهم على بناء علاقات
صحية، مضيفة أن أسباب تلك المعاملة؛ أن أصحاب العمل يعتمدون على أساليب تربوية
قاسية؛ نتيجة إلى تجاربهم الشخصية في التربية، وهذا يمكن أن ينعكس سلباً على كيفية
تعاملهم مع الناس، وأيضًا التوتر والضغوط النفسية يمكن أن تكون ضغوط الحياة والعمل
والمسؤوليات سببًا في تفاقم التصرفات السلبية تجاه الآخرين، حيث يفضل البعض
التعبير عن هذه الضغوط من خلال التصرف بعنف، وكذلك الأنماط الثقافية والاجتماعية
التي تعزز القبول للعنف اللفظي، كطريقة
للتعامل مع الموظفين؛ مما يؤدي إلى تكرار هذه السلوكيات من قِبل أصحاب الأعمال.
قال عادل محيي، طبيب نفسي، إن
الدور الذي يلعبه صاحب العمل مهم ويؤثر على الإنتاج، ولم يهتم فقط الطب النفسي
بدراسة تلك النقطة، بل تفرعت لها العديد من العلوم أهمها علم الاقتصاد والإدارة،
وجميعهم أكدوا أهمية بيئة العمل وتأثيرها على الموظفين بطريقة مباشرة، وكلما كانت
أفضل كلما كان الموظف في حالة نفسية أفضل؛ وبالتالي يحب العمل وتزداد طاقته
الإبداعية ويتمكن من الإنتاج بكمية أكبر وجودة أعلى.

