من الحلم إلى الكابوس.. قصة مهاجر إلى اليونان

 

كتب: إسلام عبد الجواد وحنين سمير

ظروف معيشية صعبة دفعته إلى الهجرة، آملًا في الوصول إلى أوروبا، بحثًا عن فرصة عمل لمواجهة غلاء المعيشة والوضع الاقتصادي، ورغم سابق معرفته أن آلاف المهاجرين يضبطون أسبوعيًا، إلا أن خياله تطاير إلى وديان الأحلام، فلم يعي الأربعيني أنه شوط طويل تنقطع دونه الأنفاس، حيث وجد الحياة الجديدة أشق مما هيأ له الأمل، فما هي قصة العم جمعة غانم؟.

يروي العم جمعة، عامل نقاشة مصري يقيم بأثينا اليونانية، حكايته لـ«طيف» موضحًا أن: "عقد العمل الرسمي باهظ الثمن يتخطى حاجز النصف مليون جنيه، كما أن شركات إلحاق العمالة بالخارج غير موثوق بها، وقد أتعرض للنصب، فكان لابد من السفر بطريقة غير مشروعة، فلم تكن أنانيته في الحياة الرغيدة بقاصرة على نفسه، ولكنها امتدت إلى زوجته وأولاده".

"سرت لأحد سماسرة التهريب سرًا دون أن يعلم أحد من أقاربي باستثناء زوجتي وأولادي، يدعى الحاج "محمد"، أحد سكان منطقة كوم حمادة التابعة لمحافظة البحيرة، جلست معه فأقنعني بالسفر، طالبًا مبلغ لا يتجاوز الـ30 ألفًا، أبهرني عرضه؛ فأعطيته المبلغ، ولكنه كان فخًا، مؤكدًا وجود تشديدات أمنية على الحدود المصرية ولا مفر سوى نقض الاتفاق الذي تعهدنا عليه بزيادة المبلغ حتى قفز لقرابة النصف مليون جنيهًا، فالعبور لتركيا لابد أن يتم بشكل شرعي عبر تأشيرة سياحة لتركيا تمتد بها إقامتنا لـ20 يومًا ومنها إلى اليونان وأوروبا بطريقة غير رسمية، منتظرًا 3 أعوام حتى الموعد، فكنت واحدًا من بين 15 فردًا وقع عليهم الاختيار للفرار خارج البلاد، حتى وطأت أقدامنا الأراضي التركية" - يقول العم جمعة.

يواصل صاحب الـ45 عامًا كلامه عن معاناته أثناء هجرته قائلًا "في صباح اليوم التالي تم إخبارنا أننا سنتحرك في الثانية صباحًا، وسارت العربة إلى مقصدها، وإذا بنا على مشارف الغابات التي تفصل حدود تركيًا عن اليونان، وبدأنا بالمشي وثبًا على الأقدام إلى أن فوجئنا بقطاع طرق أطلقوا علينا النيران؛ فسقط الدليل قتيلًا، ووقعنا بقبضة الأمن التركي، فقمنا بتبليغ مكتب السمسار في مصر بحالنا، فتواصلوا مع الجهات التركية، وتم إخلاء سبيلنا بعد ثلاثة أيام قضينها بين القضبان، ولزمنا غرفة بعدها لمدة 15 يوميًا حتى جاء الموعد، وواصلنا السير بالحيطة في المشي والركوب والنزول وعبور الطرقات، وكنت مغتمًا محزونًا حتى كللت هذه المحاولة بالنجاح بعد أسبوعًا قاسيًا قطعنا خلاله الغابات إلى اليونان، فداخلني إحساس بالحرية لم يدخلني من قبل، ثم لاطفني أمل في بدء حياة جديدة باليونان".

كانت الغربة المنغص الأول لحياة الرجل الأربعيني؛ حيث واجه الكثير من الصعوبات، بداية من فقدان هاتفه الذي حال بينه وبين أسرته، وضاعف من حسرته أنه عاش غربته بلا رفيق، لكن الألم الأكبر كانت أول مكالمة هاتفية جمعته بوالدته التي لم ينقطع بكاؤها، وكبِر أولاده بعيدًا عن عينيه، فصارت رؤيتهم تقتصر على شاشات المحمول، وزاد الطين بلة صعوبة فهمه للغة اليونانية.

ولأن بالخارج لكل شيء مقابل ولكل مساعدة ثمن، بدأ يواجه الرجل مساومات من نوع آخر فلم يكن يخطر بباله أن السيدة التي يقطن عندها ترغب بالزواج غير الرسمي منه، مما اضطره لترك بيتها لاجئًا لسيدة أخرى متزوجة تقطع الخطوات الأولى بعد السبعين ليسكن عندها، ووجد منها ذات الطلب، ولكن اختلف تعامله والموقف هذه المرة؛ حيث وعدها بالزواج بعد وفاة زوجها مقابل مساعدته على إتمام الأوراق التي تعينه على العمل ببلادها بشكل رسمي: "حزنت بذلك كله ومنيت نفسي بأن تنتهي هذه الأيام على مرها كما انتهت الأيام السابقة".

واختتم العم جمعة كلامه متمنيًا أن "يتمم أوراقه للعمل بطريقة رسمية تمكنه من ممارسة واجباته بحرية، مبديًا خيفته من عدم القدرة على تحقيق آماله؛ لكونه مهددًا بالقبض عليه وترحيله في أي وقت خارج اليونان، مردفًا حياتي هنا على كف عفريت"، ولم تقف أحلام الرجل عند ذلك الحد بل امتدت لتمنيه امتلاك بيتًا يشتمله وأولاده.

 

 

 

 

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم