كتبت حنين سمير
داخل كل المنازل في ليالي الشتاء الصقيع،
نجد في كل أسرة من يجلس يشاهد التلفزيون، ومن يحتسي مشروبه الساخن، ومن يذاكر
دروسه ومن يستكمل عمله، كذلك نجد من تقف بين جدران البيت مُبتلة بيد مرتجفة من آثار
غسل الأواني ومسح الأرض، وكذلك متعرقة الجبين في أنهر الصيف الحار؛ سيدات تعملن
طوال العام، لا يعرف النوم أو الراحة سبيلًا لها.
شيماء، أو "أم ملك" كما يطلق عليها،
امرأة في منتصف الثلاثينات من عمرها، أم لطفلين تسعى لتلبية احتياجاتهم الأساسية
نظرًا لسوء ظروف زوجها المادية وقلة مرتبه الذي لا يكفي لسداد ديونه؛ مما جعلها
تلجأ إلى العمل في تنظيف المنازل سرًا من دون علم زوجها أو أبناءها كي تسطع زيادة
دخلهم لإحضار متطلبات الأطفال من مأكل ومشرب وكسوة ومصاريف مدارس، فهي حريصة على
تعليم بنتها، كي لا تحرمها مما سبق وحرمتها الدنيا منه من قبل، بحصولها على
الشهادة الابتدائية فقط، وعندما أخبرها والدها "ليس لكي تعليم من اليوم".
وكانت تعمل "شيماء" مع
والدتها في كافيتريا تساعدها في عملها، إلى أن تزوجت وتركت منزل والديها كذلك تركت
العمل معهما، وبعد 4 أعوام من زواجها وإنجابها للطفلين ازداد احتياجهم إلى لمال للإنفاق
عليهما؛ مما جعلها تقبل المساعدات من بعض الأهل والأقارب التي سرعان ما تم إذلالها
بها، وهذا ما لم تطيقه، لذا قررت العمل، وفي بداية الأمر ادعت أنها تعمل في حضانة حتى
لا يرفض زوجها، ولا يخجل أهله منها وحتى لا يذل أولادها بها.
ليبدأ أولادها من الشكوى من عدم
وجود أمهم، وأن المنزل أكثر دفء ببسمتها التي زالت مع الوقت من شدة التعب
والإرهاق، فلم تعد المسكنات تعمل كسابق عهدها، وبدت "شيماء" في عمر
الأربعين، ويبدأ الحمل يزداد ثقلًا، ليلقي زوجها بكامل المسؤولية على كاهلها، لتصبح
هي الأب والأم، وتصبح مجبرة على الخروج يوميًا في الصباح الباكر إلى العمل، منتظرة
ما يخيفها من أشكال مختلفة للإهانة والتقليل، ولا تعلم من سيتهمها بسرقة أشيائه
الضائعة هذا اليوم، لتعود وعلى وجهها أطياف من هموم الدنيا فقط، لتجد ابتسامة
أولادها.
ورغم ذلك فقد نجد الحب والدفء في
مكان بعيد عن أسرنا، حيث وجدت "شيماء" أخيرًا أسرة تعاملها باحترام،
ورغم كرهها لعملها؛ إلا أنها أحبتهم واستمرت به لأجل أبنائها، "شيماء"
واحدة ضمن العديد من القصص لسيدات تعيل أسرها، بجوار كل منا "شيماء" لها
قصة مختلفة.
