التجار بعد ارتفاع الدولار لا يعرفون مصطلح الخسارة
مدرس مساعد بشريعة الأزهر: من حق البائع زيادة سعر
السلعة القديمة.. و"المالكي" يصفه بالجشع
خبير اقتصادي: الدولار ليس العامل الوحيد.. واستغلال
التجار ينتشر في السوق المصرية
كتبت نورا علاء، شهد أحمد، ندى سمير
"التجارة شطارة"، شعار التاجر الماهر الذي يتمكن من كسب الزبائن
والبيع ليهم والتفوق على منافسيه بجودة بضاعته وصدقه في البيع والشراء، ولكن
الظروف الاقتصادية الأخيرة حولت التعاملات التجارية إلى مبدأ الربح والخسارة فقط،
أمام تيار انخفاض الجنيه أمام الدولار، التجار يتخذونها فرصة للتربح، والمواطن
يسير على نهجه.
حجة تجارة
قال بركات محمد، تاجر أدوات منزلية، إنه في حالة زيادة الدولار أي وقت يقوم
برفع الأسعر على الأقل 5 جنيهات، وتختلف الزيادة من قطعة إلى الأخرى، مجيبًا أن
حتى إن لم يشتر بضاعة جديدة بالسعر الجديدة يبيع البضاعة القديمة وفق الزيادة،
معلقًا أنه المتعارف عليه في السوق المصرية، وإن لم يفعل ذلك سيخسر، وأنه لا يراها
سرقة، بل هناك زيادة أقرتها الحكومة وينفذها فقط.
وروى رفعت عزايز، تاجر عطارة، أن البضائع التي لديه جميعها محلية ذات جودة
عالية تأتيه من أسوان، مضيفًا أن زيادة الدولار هي زيادة أسعار السلع المختلفة،
وعند سؤاله أن بضاعته محلية وما سبب الزيادة، رد قائلًا "مليش دعوة رزق جاي
أقوله لا؟"، متابعًا أن أي تاجر يبيع بضاعته مهما اقسم أنه خسر بها بالسعر
الذي يبيع به فهو كاذب، هو فقط قلت نسبة الربح، وخسر الزيادة، لكن لا يوجد تاجر
يبيع بضاعة بخسارة.
وأضاف مدحت عبدالجليل، تاجر خضروات وفواكه، أن بضاعته تأتيه من محافظة
الشرقية، حيث يملك أرضًا خاصة به وسيارة لنقل بضاعته، وأنه لا يقتنع بزيادة
الأسعار لارتفاع الدولار خاصة أنه لم يتأثر بتلك الزيادة، موضحًا أن التاجر إذا
كلفته بضاعة 20 ألف جنيه وكان سيبيعها بضعف المبلغ وتفاجئ بزيادة الدولار يقوم
بزيادة سعر البيع رغم أن التكلفة ثابتة، إلا أنه العرف السائد في السوق، وبعض
الأوقات يخفض الأسعار عن البقية ليخطف الزبائن نحو بضاعته، وبدلًا من ربح مضاعف من
عدد قليل من الزبائن بالسعر المرتفع، يكسب نفس الربح من عدد أكبر من الزبائن وبسعر
أقل للبيع، ولكنه كسب زبون دائم التردد عليه.
الاستغلال شعار المهن.. والسبب "الظروف"
أوضحت وفاء خميس، مطلقة وتعيل ثلاث أطفال، بائعة أشغال يدوية، أنها تضطر
إلى مضاعفة سعر القطعة التي تبيعها بحجة ارتفاع سعر الدولار رغم أن البضاعة مخزنة
عندها بالمنزل، معلقة "كله بيعلي على كله"؛ وأنها تدبر أمور المنزل
بصعوبة بالغة لتتمكن أول كل شهر من دفع الفواتير والإيجار، ولأكثر من مرة يهددها
صاحب البيت بطردهم، موضحة أنهم يسكنون في غرفة فوق السطح وبها حمام صغير، وأصبحت
وفاء تعيش على الديون والمساعدات، أما أهلها وأهل زوجها فجميعهم يرفضون التكفل بهم
ومساعدتهم نظرًا إلى غلاء المعيشة.
قال أحمد عبدالعال، معلم لغة عربية، متزوج ولديه طفلان، إن الدولة ترفض
الدروس الخاصة في المنازل ومراكز التعليم الخاصة، والمدرسة التي يعمل بها خاصة
ورغم قرارات رئيس الجمهورية وإلزامهم براتب معين، إلا أنه يتقاضى فقط 2500 جنيه في
الشهر، يذهب جميعها في الإيجار، ولايزال لديه الفواتير والطعام وملابس ومتطلبات
أخرى للمعيشة، مضيفًا أنه يضطر إلى مضاعفة تكلفة الدرس مهما كانت ظروف الطالب.
الشيوخ تحذر
قال السيد الشرقاوي، مدرس مساعد في كلية
الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، أن البيع والشراء عرض وطلب، وأهم ما في الموضوع
هو التراضي، بمعني أن يكون هناك رضا بين البائع والمشتري، وإذا لم يرض المشتري عن
سعر البيعة يستغني عنها، كما قيل" اتركوا الغلاء بالاستغناء"، وما يسبب
الضيق على المشتري أنه يعتقد أن البائع ليس من حقه أن يغلي على الناس؛ لأنه لم
يدفع جمارك أخرى للسلعة القديمة ولم يشتريها بنفس السعر الجديد.
وتابع "السيد" أنه إذا قام البائع ببيع السلعة بالسعر القديم،
وتم رفع الدولار اليوم التالي وارتفعت الأسعار فمن حقه أن يبيع القديمة بالسعر
الجديد؛ لأنه إذا كانت السلعة القديمة تُباع بعشرة جنيهات، وبعد الغلاء أصبحت
بعشرين جنيهًا، فعندما يشتري السلعة الجديدة من التجار فسيضطر إلى دفع الفرق من
جيبه حتى يستطيع شرائها.
واختلف معه أحمد المالكي، أحد علماء الأزهر الشريف، وأنه وجب على البائعين
الشفقة بحال الفقراء، وليست القضية في رغبة البائع في رفع سعر السلعة القديمة بنفس
سعر الجديدة، ولكن يجب النظر لحال الفقراء والمساكين؛ لأنك يا بائع الله كرمك
واشتريت السلعة بثلاثة جنيهات لتبيعها بخمسة، ثم ارتفع سعرها لتصبح بسبعة، فلا
تترك الشيطان يهيئ لك أنه يجب عليك رفع السعر القديم للجديد، ولا يترك في ذهنك
فكرة الجشع، وتيقن أن الله سيغنيك بالحلال عندما تبيع بنفس المكسب القديم من باب
الإشفاق على الفقراء.
وأضاف محمد سيد سلطان، أستاذ في كلية الشريعة والقانون، جامعة
الأزهر، أنه إذا ارتفع سعر السلعة في السوق جاز للبائع أن يبيع بسعر السوق، وإذا
حصل الرخص جاز له أن يبيع بسعر السوق وأن يبيعها بثمنها الأصلي، مع إضافة نسبة
الربح عليه، وهو مخير في ذلك، إلا إذا تدخل الحاكم في سعر السلعة، وذلك يحدث في
حالة الاستغلال التجاري، وخصوصًا في مجال الأدوية؛ لأن لها سعر محدد ونسبة ربح
محددة لا يجوز التجاوز عنها، حيث تؤخذ من الشركة بسعر معين وتباع بسعر معين.
خبراء الاقتصاد يردون على التجار
أوضح عبدالخالق فاروق، خبير اقتصادي، أن زيادة التاجر لسعر البضاعة محلية
الصنع بنسبة 100% يدخل به العديد من العوامل، فإما إنها قرار زيادة صادر من جهات
رسمية، ويظهر ذلك في السلع الخاضعة للتسعيرة الجبيرة مثل الخبز والمكرونة والأرز،
أما بقية البضائع عند زيادة الدولار فلا دخل لها، فالتاجر أو المصنع تعامل خلال
كافة مراحل التصنيع وشحن البضاعة إلى منافذ البيع بالسعر القديم، وبالتالي يجب أن
تباع بنفس النهج قبل ارتفاع الدولار؛ لأنه لم يؤثر في تكلفة السلعة على التاجر،
وما تشهده السوق المصرية هو استغلال من التاجر بقلة معرفة الناس.
واتفقت معه وفاء علي، خبير اقتصادية، موضحة أن السوق المصرية وغيرها تخضع
لقانون العرض والطلب، فإذا زاد الطلب على سلعة ما يرتفع معها السعر والعكس صحيح،
وبالتالي هناك زيادات لها علاقة بالضغط على منافذ البيع لشراء سلعة معينة، وهو ما
يفتعل عدة أزمات مثل أزمة السكر، وتلك الأزمة ليس لها علاقة بالدولار، وإنما كانت
ناتجة عن المواطنين، مضيفة أن حجة الدولار نشرتها وسائل الإعلام، والمواطن البسيط
ليس على إدراك كافٍ بتفاصيل الصناعة والتسعير؛ وبالتالي ربط أي أزمة بالدولار.

